أشارت بضعة تقارير إعلامية قبل أيام عدة فقط، إلى أن
الخارجية الأمريكية وضعت سحر نورو زادة مسؤولة ضمن فريق تخطيط السياسات عن منطقة
إيران والخليج، علما بأنّه سبق لسحر أن شغلت منصبا مهما في إدارة الملف الإيراني في مجلس الأمن القومي في عهد
أوباما.
كما عملت سابقا في المجلس الوطني الإيراني- الأمريكي (NIAC)، وهو بمثابة لوبي للنظام الإيراني في الولايات المتّحدة الأمريكية، كان قد لعب هو ورئيسه "تريتا بارسي" دورا مهما في التقريب بين إدارة أوباما ونظام الملالي، وكذلك في الترويج للاتفاق النووي الذي توصلت إليه الإدارة مع إيران.
مثل هذه الخطوات تثير علامات تعجب حول طبيعة ما يجري داخل الإدارة الأمريكية، فعلى الرغم من مرور حوالي شهرين على تنصيب دونالد
ترامب رئيسا للولايات المتّحدة الأمريكية وتسلّمه زمام الأمور في البيت الأبيض، لم يحصل أي تغيير جذري في السياسات التي كان الرئيس السابق باراك أوباما يتّبعها، لا سيما في السياسة الخارجيّة للبلاد.
فباستثناء ارتفاع سقف الاشتباك الكلامي مع إيران، وزيادة عدد القوات الأمريكية في شمال سوريا، ليس هناك من تحوّل حقيقي حتى الآن في السياسات الأمريكية في المنطقة.
ربما يعود ذلك إلى عاملين أساسين، أحدهما عدم وجود رؤية لدى إدارة ترامب. فهذه الإدارة كانت قد وصلت إلى السلطة دون أن يكون لديها أي برنامج واضح باستثناء بعض التصريحات الشعبوية هنا وهناك وبعض التصورات العامة.
أمّا العامل الثاني، فيتعلق بتركيبة الإدارة نفسها من العاملين غير المحترفين وغير المنسجمين مع بعضهم البعض، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الوظائف المهمّة في الوزارات الرئيسة لهذه الإدارة، وهي وظائف لا تزال شاغرة، على الرغم من مرور شهرين كما سبق وذكرنا.
وزارة الدفاع على سبيل المثال لا تزال تعاني من شغور وظائف رئيسة كثيرة فيها، وهناك من يتحدث عن صدامات بين وزير الدفاع وفريق البيت الأبيض المعني بالموافقة على التعيينات التي يقوم بها في وزارة الدفاع، مع مؤشرات على أن مسألة التعيينات في الشواغر لن يتم حسمها قريبا أو سريعا.
وإلى أن يتم العمل على إنهاء هذه المشكلة، لا يبدو أنّه ستكون هناك تغييرات جذرية في موقف البنتاغون من القضايا الأساسية في المنطقة، فالقرار الصادم الذي تم اتخاذه مؤخرا في سوريا يعد مؤشرا على ذلك، كأنه يقول إن أوباما لا يزال في البيت الأبيض، وهو أمر يصبح مفهوما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المشاكل المذكورة أعلاه.
فالموجودون حاليا في البنتاغون لا يمكنهم أن يغادروا سياسات يتبعونها منذ ثماني سنوات، خاصة أن الإدارة الحالية لم تنجح حتى هذه اللحظة في بلورة استراتيجية واضحة، ليتم دفعهم إلى تنفيذها.
وما ينطبق على وزارة الدفاع ينسحب أيضا على وزارة الخارجية الأمريكية.
عندما استلم ترامب الحكم، استقال عدد كبير من المسؤولين في الخارجية الأمريكية، الأمر الذي أحدث فراغا لم يتم سدّه إلى اليوم بالتعيينات المطلوبة.
ومع إعلان إدارة ترامب عن مقترح الموازنة الذي تضمّن استقطاعات كبيرة في الخارجية (28 في المئة)، فإن إعادة تفعيل دور وزارة الخارجية يصبح أصعب مما كان عليه، لا سيما أن الدور المنوط بها حتى الآن أقل من المطلوب على ما يبدو نظرا للظهور النادر لوزير الخارجية في الأدوار التي من المفترض أن يكون موجودا فيها داخل الإدارة الأمريكية، وعلى مستوى الأحداث التي تجري حول العالم.
ولعل هذا ما يفسر استعانة إدارة ترامب بمسؤولين سبق لهم أن خدموا إدارة أوباما في مواقع حساسة، إذ أبقت الخارجية على سبيل المثال على المبعوث الأمريكي لسوريا في عهد إدارة أوباما مايكل راتني في منصبه، ووسعت من صلاحياته بإعطائه ملفات أخرى في الخارجية، مثل ملف السلام في الشرق الأوسط (فلسطين إسرائيل).
وكذلك الأمر بالنسبة إلى يئيل ليمبيرت، الذي كان مسؤولا عن الملف الفلسطيني والإسرائيلي في مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، إذ أبقت عليه إدارة ترامب، وهناك خطط أيضا لإعادته إلى الخارجية ليعمل مع الوزير تيليرسون.
كل هذه المعطيات تشير إلى أن إدارة ترامب هي إدارة غير منسجمة وبطيئة، وتعاني من فراغات في أماكن حساسة ومؤثرة في الوزارات الرئيسة، وهو أمر يتيح لمن بقي من جنود إدارة أوباما السابقة التأثير على المستوى البيروقراطي، وبالتالي استكمال سياساتها القديمة إلى أن يطرأ ما يتيح تغييرها إذا كان هناك من تصور في هذا الشأن.