قبل بضعة أشهر من وصوله إلى البيت الأبيض، وعد ترامب بتمزيق
الاتفاق النووي مع
إيران قائلا بأنّه لم يشهد أبداً في حياته وجود عدم كفاءة في مناقشة اتفاق ما بقدر ما شاهد ذلك في الاتفاق الذي توصلت إليه إدارة أوباما مع نظام الخامنئي في طهران.
عندما أصبح ترامب رئيسا، لم يقم بتمزيق الاتفاق (على الأقل حتى الآن)، إذ إن عدداً من الخبراء والمستشارين فضلا عن بعض الدول التي رفضت الاتفاق من أساسه كانت قد أوصت بعدم تمزيق الاتفاق لأنّ الهدف في نهاية المطاف ليس الاتفاق بحد ذاته وإنما الخطوات التي من شأنها أنّ تقيّد إيران وتحد من توسعها الجيو-سياسي والجيو-عسكري في المنطقة.
صحيح أنّ الاتفاق كان قد أعطى دفعة غير مسبوقة لنظام الملالي على الصعيد الإقليمي، لكنّ تمزيق الاتفاق دون وجود رؤية للطريقة التي من الممكن من خلالها دفع إيران إلى الخلف لا يقدّم حلاّ بالتأكيد، لا بل قد يوفر لإيران المزيد من الذرائع والمسوغات لاستكمال سياساتها الحالية.
الحسابات التي قد تدفع باتجاه عدم تمزيق الاتفاق لا تتعلق فقط بايران، بل بالدول الأوروبية وروسيا والصين. هذه البلدان أصبح لديها مصالح تجارية ضخمة بموجب الاتفاق، إيرباص الأوروبية أجرت صفقة تبيع بموجبها حوالي 100 طائرة الى ايران بمليارات الدولارات، تسلّمت إيران عدداً منها في يناير الماضي. شركات النفط الأوروبية الآن تسعى إلى صفقات ضخمة وقد أجرت توتال الفرنسية عدّة محادثات بهذا الخصوص. أما الجانبان الروسي والصيني فقد استغلا الاتفاق لتعزيز العلاقات التجارية مع طهران ولبيعها المزيد من الأسلحة.
هذه المعطيات تعني أنّ تمزيق الولايات المتّحدة للاتفاق النووي سيجعلها وحيدة في الساحة، ومن دون تعاون الجانب الأوروبي على الأقل سيصبح الأمر صعباً إلا إذا تم دفع إيران لخرقه. من أجل كل هذه المعطيات، كنّا قد ذكرنا سابقا بأنّ إدارة أوباما جعلت من شبه المستحيل على من يأتي بعدها أن يقوم بإلغاء الاتفاق، وأعطت الكثير من التنازلات غير البررة للجانب الايراني، بحيث أن اقراها يفيد إيران كما أنّ إلغاءها بعد إقرارها يخلق مشكلة تفيد إيران، وهي من النقاط المهمة في اعتبار الاتفاق اتفاقا سيئاً جداً.
معظم المعارضين لتمزيق الاتفاق اليوم يرون أنّ هناك طريقة أفضل للضغط على إيران من خلاله وهي الدفع باتجاه تطبيقه بشكل مشدد لدرجة تحمل الجانب الإيراني على التملّص منه أو إلى الغش أو إلى ارتكاب الأخطاء، وعندها يصبح الاتفاق بمثابة حفرة للجانب الإيراني، على أنّ يتم اتباع هذه السياسة بضغوط تتعلق تطبيق العقوبات المفروضة على إيران لاسيما في ما يرتبط بالإرهاب، وفرض المزيد من العقوبات الجديدة عليها.
البعض يدعو الإدارة الأمريكية الجديدة إلى التصالح مع الاتفاق النووي وقبوله كحقيقة لا يمكن تغييرها. مجموعة الأزمات الدولية ذكرت في تقرير لها مؤخراً أنّ "ترامب هو الرئيس الأمريكي الأول الذي يدخل المكتب البيضاوي في أكثر من عقدين من الزمان دون أن يكون عليه أن يقلق من أنّ تتعدى إيران العتبة النووية إلى التسلح النووي دون أن يتم اكتشافها". ربما يكون هذا الادعاء صحيحاً إذا افترضنا أن إيران لن تغش أو أنّ الولايات المتّحدة ستستطيع كشف إيران في الوقت المناسب في حال قامت الأخيرة بالغش والخداع، وهما أمران يؤكد الواقع التاريخي أنّ عكسهما هو الصحيح.
إيران تتمتع بتاريخ طويل من سلوك الغش والخداع، والولايات المتّحدة لم تستطع في مناسبات عديدة اكتشاف الغش الإيراني في الوقت المناسب، لكن بغض النظر عن ذلك، فإن ترامب هو الرئيس الأمريكي الأول الذي يدخل البيت الأبيض وهو يعلم تماماً أنّه خلال 10 سنوات ستبدأ القيود القليلة المفروضة على إيران بالزوال بموجب الاتفاق نفسه، وستحصل إيران على برنامج نووي شرعي بقدرات صناعية تخولها إنتاج قنبلة نووية دون أن يكون هناك فرصة لإيقافها، ما لم يتم عكس مفاعيل الاتفاق دون تمزيقه.