تشهد الساحة
المصرية في الأيام الأخيرة، تضييقا حكوميا وهجوما إعلاميا على
كتاتيب تحفيظ القرآن بالمساجد، وسط اتهامات لها بتخريج "متطرفين" يعادون المجتمع.
وشن وزير أوقاف الانقلاب، محمد مختار جمعة، هجوما حادا على هذه الكتاتيب، قائلا إنها "من أهم وسائل التجنيد المبكر لمعتنقي الفكر المتطرف".
وتزامن هذا
الهجوم مع نشر العديد من الصحف مزاعم عن حوادث وقعت في الأسابيع الأخيرة لأطفال تم الاعتداء الجنسي عليهم من "شيوخ ومحفظي قرآن" في عدة محافظات.
ونشرت صحيفة "الشروق" تقريرا عبر تحقيق استقصائي، السبت الماضي، قالت فيه إن المعاهد الدينية الموجودة في بعض المساجد لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس المناهج الإسلامية؛ هي "أماكن لتفريخ أجيال جديدة من الدواعش".
المنتمون سياسيا ممنوعون
وقال الوزير مختار جمعة، في كلمة له خلال فعاليات المؤتمر الوطني الأول للشباب، السبت الماضي، إن الأوقاف بدأت بـ"تنفيذ خطة لتقنين أوضاع جميع الكتاتيب بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي؛ تهدف إلى القضاء على مفاهيم متشددة يتم بثها في عقول النشء".
وشدد على أن "الحكومة لن تسمح بالتدريس أو فتح كتاتيب لمن لهم أفكار أو انتماءات سياسية"، لافتا إلى أنه "سيتم إعادة فتح الكثير من الكتاتيب المغلقة بقرارات رسمية سابقة، في إطار مساعي تجديد الخطاب الديني".
وكان وزير أوقاف الانقلاب قد أصدر قرارا في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بإلغاء أي تراخيص سابقة كانت صادرة من الوزارة لأي جمعية بإنشاء أو إدارة معاهد إعداد الدعاة، أو معاهد وكتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم أو القراءات، أو أي مراكز للثقافة الإسلامية، وكذا إلغاء جميع البروتوكولات الموقعة لأي من الجمعيات في هذا الشأن.
وفي السياق ذاته؛ حذر رئيس القطاع الديني بوزارة أوقاف الانقلاب، الشيخ جابر طايع، المصريين من "إرسال أبنائهم لكتاتيب مجهولة لتحفيظ القرآن الكريم؛ لا تخضع لرقابة وإشراف وزارة الأوقاف أو
الأزهر الشريف" على حد تعبيره.
لكن مواطنين تحدثوا لـ"
عربي21" أكدوا أن الغالبية العظمى من الكتاتيب التي كانت منتشرة في المحافظات المختلفة؛ تم إغلاقها بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013، بحجة سيطرة جماعة الإخوان المسلمين عليها، وسط تضييق أمني شديد على أي توجه إسلامي في المجتمع.
لها دور عظيم
من جهته؛ قال الأستاذ بجامعة الأزهر، صبري عبادة، إن "هذه الكتاتيب لها دور هام للغاية في تحفيظ القرآن الكريم للأجيال، ونشر الدين الإسلامي الوسطي".
وأضاف عبادة في تصريحات لـ"
عربي21" أن "الأزهر لديه الكثير من الكتاتيب التابعة له، والتي يديرها عبر علماء مؤهلين لتحمل هذه المسؤولية، في حين أن هناك نوعا آخر من الكتاتيب يتبع الجماعات السلفية، ومعظمها تكون بعيدة عن تعاليم الأزهر الشريف أو المنهج الوسطي" على حد قوله.
وأوضح أن "الأزهر كان قد تقدم منذ فترة طويلة بطلب لتوقيع برتوكول تعاون مع وزارة التضامن؛ كي يكون الأزهر مشرفا على هذه الحاضنات الخاصة بتحفيظ القرآن في كل محافظات مصر، لضمان تقديم مفاهيم دينية سليمة للأطفال بعيدا عن التشدد أو الأفكار المغلوطة، لكن الحكومة لم توافق على هذا البرتوكول، بل إنها رفضت إشراف وزارة الأوقاف على هذه الكتاتيب".
وحول مهاجمة أوقاف الانقلاب لهذه الكتاتيب؛ قال عبادة إن "من الممكن أن يكون هناك بعض المتشددين في الأوقاف الذين يكرهون جماعة الإخوان، ويتخذون من هذه القضية ذريعة للانتقام منهم، لكن هذا لا يعني أن نسمح بإغلاقها تماما خوفا من سيطرة مجموعات متشددة عليها، أو بث أفكار متطرفة في عقول الأطفال، بل إن الأفضل هو تنظيم هذه الأماكن، ووضعها تحت إدارة المؤسسات الرسمية".
زرع بذور التطرف
من جانبه؛ رأى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد حمدي، أن "هناك كتاتيب في القرى والنجوع؛ ينتمي أصحابها إلى التوجهات الوهابية المتزمتة، ويبثون أفكار تنظيم داعش للأطفال الصغار، ويعملون على إقناعهم بالأفكار المتشددة في الدين".
وأكد حمدي، ذو التوجهات العلمانية، أن هذه الكتاتيب هي "من رواسب السنوات الماضية التي غزت فيها أفكار تيار الاسلام السياسي المجتمع"، محذرا "من أن "وجود هذه الكتاتيب يمثل كارثة بكل المقاييس" على حد قوله.
وأضاف لـ"
عربي21" أن "مصر دولة مدنية، وهناك قوانين تنظيم حياة الطفل وحقوقه، ومن أهم هذه الحقوق عدم التمييز"، متسائلا: "كيف أفتح كتاتيب تشبه إلى حد كبير نظام الحضانات لتعليم الأطفال، بينما يكون الالتحاق بها قاصرا على المسلمين فقط؟".
النظام يحارب التوجهات الدينية
بدوره؛ قال أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الأزهر، أشرف سعد، إن "النظام يحارب التوجه الإسلامي في المجتمع بحجة أنه تابع لجماعة الإخوان المسلمين، أو يحرض على الاٍرهاب، وهذا ما يحدث فعليا في موضوع الكتاتيب"، مشيرا إلى أن "هذه الكتاتيب موجودة في مصر منذ عقود بعيدة، وتعد جزءا من التراث الإسلامي، ولها دور عظيم في تحفيظ القران الكريم، وكانت جزءا من الأزهر على مدار تاريخه".
ورأى أن "وزير الأوقاف الحالي يحاول بأي طريقة أن يطبل للنظام، فهو يريد أن يوصل رسالة للدولة بأنه رجلها، لذلك فهو يقحم نفسه في السياسة وفي أي شيء يجعله قريبا من السلطة"، مضيفا لـ"
عربي21" أن "هذا الوزير الذي يحارب الكتاتيب نسي أنه تعلم وحفظ القرآن فيها وهو صغير".
واختتم سعد تصريحاته بالقول إن "النظام يحارب أي فكر ديني مستنير، ويحارب الأشخاص القائمين على الكتاتيب الذين لا يبغون غير طاعة الله ورسوله ونشر الإسلام، وكثير من هؤلاء هم شيوخ أجلاء يريدون تربية النشء تربية إسلامية على حفظ كتاب الله وسنة رسوله".