كشفت صحيفة هآرتس الأحد قبل الماضي النقاب عن القمة السرية التي عقدت بمدينة العقبة الأردنية في شباط/ فبراير من العام الماضي 2016 بترتيب ورعاية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتن ياهو والملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي. القمة عقدت بمبادرة كيري وطرح من خلالها خطته للتسوية النهائية على أساس حل الدولتين وبمشاركة أو غطاء إقليمي عربي للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. بينما طرح نتن ياهو خطته المعكوسة أو المناقضة، واجتهد وزير الخارجية الأمريكي لإغراء زعيم المعارضة الإسرائيلية إسحق هيرتزوغ للانضمام لحكومة نتن ياهو، وتشجيعه على الانطلاق نحو السلام الإقليمي، وكان لافتا كذلك طلب كيري نفسه - من الجنرال السيسي إقناع نتن ياهو بالمشاركة بالقمة وقبول مبادرته للحل النهائي.
مبادرة كيري تضمنت الصيغة التقليدية لحل الدولتين، ولكن مع تحديثات أو تعديلات خطيرة شملت القبول بالدولة اليهودية وفق قرار التقسيم 181 الصادر في العام 1947، رغم أن الحل نفسه أي حل الدولتين صمّم وفق قراري 242 و338 وعلى أساس حدود حزيران/ يونيو 1967، بينما قرار التقسيم أعطى الدولة العربية 45 بالمائة من أرض فلسطين التاريخية وليس 22 بالمائة كما هو مطروح الآن والمفارقة أو التناقض والانفصام بالأحرى أن تجري مطالبة الفلسطينية بقبول دولتهم وفق قرار 242 والاعتراف بالدولة اليهودية وفق القرار 181 الذي يعطيهم ضعف المساحة تقريبا.
لا يقل عن ذلك خطورة طبعا البند المتعلق بحق العودة للاجئين، والذي يتحدث عن حل عادل واقعي، وبما لا يتناقض مع مفهوم الدولتين للشعبين وفق القرار 181 أي لا يتناقض مع الدولة اليهودية ما ينسف في الحقيقة مبدأ العودة من أساسه ويعطي الحق والأولوية الأخلاقية والسياسية للرواية الإسرائيلية في البنود الأخرى بما فيها القدس طبعاً.
كان ثمة قبول عربي بمبادرة أبو مازن الذي كان على علم بها دون تحديد موقفه الصريح بينما أبدى الزعيمين المصري والأردني انفتاحا مبدئيا تجاهها واستعدا للقيام بما يلزم خاصة في السياق الفلسطيني والإقليمي العربي لتشجيع نتن ياهو على القبول بها والانضمام إليها.
في السياق الإسرائيلي سعى كيري لإقناع زعيم المعارضة هيرتزوغ بالانضمام إلى حكومة نتن ياهو، وإخراج اليمين المتطرف منها لتقوية الائتلاف الحكومي ورفع سيف بينيت عن رقبته وتشجيعه على القبول والمضي قدما بالخطة، والمبادرة رغم أن نتن ياهو لم يقبلها منذ اللحظة الأولى، وأصر أصلا على حضور القمة لقطع الطريق عليها عبر طرح خطته ومبادرته الخاصة، وعزل كيري والاحتفاظ بقنوات مفتوحة مع الزعيمين المصري والأردني.
خطة نتن ياهو الخاصة عبرت عن مزاج مناقض لخطة كيري على علاتها، وهو تحدث عن خطوات اقتصادية اجتماعية لتحسين أوضاع الفلسطين في الضفة وغزة، مقابل مفاوضات بلا شروط طبعا وتطبيع مع الدول العربية وطوال الوقت ظلّ يتحدث عن حكم ذاتي موسع أو دولة ناقص بدون الأمن والسيادة وطبعا بدون القدس، وحق العودة وعلى قاعدة عكس بنود المبادرة العربية.
غير أن الإعلام للأسف لم يهتم، ويسلط الضوء كما ينبغي على دخول مبعوث الرباعية رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير على خط جهود كيري كمقاول ثانوي أو من الباطن أو على خطاب أسيوط للرئيس المصري في حزيران/ يونيو 2016 والذي تحدث فيه عن سلام مصري إسرائيلي دافىء، ورغبة بتعميمه على الدول العربية، كما عن امتلاكه لخطة أو مبادرة للمصالحة الفلسطينية الفتحاوية الفتحاوية والحمساوية الفتحاوية على الطريق نحو استئناف مفاوضات التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع استعداد لبذل كل الجهود الممكنة لإنجاحها.
خطاب السيسي جاء كجزء من مساعي تكميلية قام بها توني بلير، وكان يفترض أن تدفع نتن ياهو إلى ضم هيرتزوغ لحكومته بدلا من بينيت، وكان رئيس الوزراء البريطاني وكما قالت الصحف الإسرائيلية آنذاك عمل بشكل مكوكي بين القاهرة وتل أبيب لإقناع هيرتزوع بجدية المسعى ومساعدته على تجاوز المعارضة الداخلية المشككة بنوايا نتن ياهو في صفوف حزب العمل حزب العمل، وقام بالتأثير كذلك على فحوى خطاب الرئيس المصري مستغلا اندفاع وتعطش هذا الأخير لتحقيق أي إنجاز يخفي فيه عوراته الداخلية ويخفف الضغوط السياسية والإعلامية الخارجية عليه عبر البوابة الإسرائيلية التقليدية.
السيسي قام بدوره وفق ما هو مرسوم له من بلير وعلى أكمل وجه غير أن المفأجاة أو بالأحرى نصف المفاجأة جاءت من نتن ياهو الذي ضرب بكل تلك المساعي والوساطات عرض الحائط وبدلا من يكسر إلى الوسط أو يمين الوسط بالأحرى، وبالمعنى الإسرائيلي طبعا عبر ضم ههريتزوغ للحكومة كسر يمينا بضم أفيغدور ليبرمان للحكومة، وبالتالي تشكيل الائتلاف الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية.
نتن ياهو وكما قالت هآرتس الأحد قبل الماضي - 19 شباط/ فبراير - كان يعرف منذ البداية موقف أركان ائتلافه هو عجز عن تمرير خطة كيري، وحتى خطته هو شخصيا المتعلقة بالمبادرات والتسهيلات الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين مقابل اتصالات ومفاوضات مع الدول العربية، ورغم ذلك تساوق مع جهود كيري وبلير لاتنزاع تنازلات أخرى من الرئيس المصري والملك الأردني واستهلاك وتقطيع الوقت إلى أبعد مدى زمني ممكن، أي إلى حين انتهاء ولاية أوباما كما كان يقول أو يتبجح وبشكل علني.
الاستنتاج الأهم من المعطيات السابقة مجتمعة يتمثل طبعا بنهاية عملية التسوية، كما رأيناها في العقدين الماضيين، ومعها طبعا حل الدولتين، وإصرار حكومة نتن ياهو اليمينية المتطرفة على فكرة الحكم البلدي الذاتي الموسع لفلسطين وعلى نصف الضفة الغربية طبعا مع احتفاظها بالسيادة والسلطات الأمنية على الكيان الفلسطيني، الخداج وتكريس الانقسام والانفصال الأبدي بين الضفة الغربية وغزة، مع عدم ممانعة إعلان دولة فلسطينية فيها، وانفتاحها على مصر ضمن السيناريو المعروف بدويلة غزة سيناء.
بنظرة إلى الوراء وضمن ربط المعطيات والأحداث بدا لافتا أن السيسي وبعد خطاب أسيوط الذي كان جزء من سيناريو كيري- بلير، قام بدعوة حركة الجهاد الإسلامي للقاهرة -19 حزيران - بزعم امتلاكه لمبادرة فلسطينية، وطبعا أعلنت الحركة دعمها للمبادرة الوهمية والمزعومة التي كانت تهدف أصلا إلى ضم هيتزوغ لحكومة نتن ياهو، وفي أحسن الأحوال حل نهائي يتضمن الدولة اليهودية وسلام إقليمي عربي إسرائيلي.
هذه لم تكن المرة الأولى بل الثانية التي يستخدم فيها النظام المصري حركة الجهاد لتبييض وجهه البشع وسياساته والتغطية ولفت الانتباه عن سياساته الكارثية والضارة؛ فقد جرى ترتيب زيارة للحركة للقاهرة –28 شباط/فبراير 2015- في نفس اليوم الذي صدر فيه الحكم باعتبار حماس حركة إرهابية. أما المرة الثالثة ونتمنى أن تكون الأخيرة فقد حدثت في تشرين ثانى نوفمبر من العام الماضي 2016 على وقع امتلاك القاهرة خطة أو مبادرة للانفتاح على الوضع الفلسطيني وغزة تحديدا عبر فتح معبر رفح لاوقات اضافية وتقديم تسهلات اقتصادية أخرى من أجل تخفيف الحصار عنها، وهو ما لم يتحقق بالطبع، ولم يكن سوى خداع وذر للرماد في العيون من أجل تعويم القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان وإعادته للمشهد السياسي والحزبي على أعتاب مؤتمر حركة فتح السابع الذي عقد في أواخر الشهر نفسه ووجّه ضربة قوية وقد تكون قاصمة للمسعى المصري لرعاية ودعم انشقاق داخل حركة فتح وهو الأمر غير المسبوق في تاريخ القضية الفلسطينية أو العلاقة المصرية الفلسطينية بشكل عام.
• باحث وإعلامي فلسطيني
مبادرة كيري تضمنت الصيغة التقليدية لحل الدولتين، ولكن مع تحديثات أو تعديلات خطيرة شملت القبول بالدولة اليهودية وفق قرار التقسيم 181 الصادر في العام 1947، رغم أن الحل نفسه أي حل الدولتين صمّم وفق قراري 242 و338 وعلى أساس حدود حزيران/ يونيو 1967، بينما قرار التقسيم أعطى الدولة العربية 45 بالمائة من أرض فلسطين التاريخية وليس 22 بالمائة كما هو مطروح الآن والمفارقة أو التناقض والانفصام بالأحرى أن تجري مطالبة الفلسطينية بقبول دولتهم وفق قرار 242 والاعتراف بالدولة اليهودية وفق القرار 181 الذي يعطيهم ضعف المساحة تقريبا.
لا يقل عن ذلك خطورة طبعا البند المتعلق بحق العودة للاجئين، والذي يتحدث عن حل عادل واقعي، وبما لا يتناقض مع مفهوم الدولتين للشعبين وفق القرار 181 أي لا يتناقض مع الدولة اليهودية ما ينسف في الحقيقة مبدأ العودة من أساسه ويعطي الحق والأولوية الأخلاقية والسياسية للرواية الإسرائيلية في البنود الأخرى بما فيها القدس طبعاً.
كان ثمة قبول عربي بمبادرة أبو مازن الذي كان على علم بها دون تحديد موقفه الصريح بينما أبدى الزعيمين المصري والأردني انفتاحا مبدئيا تجاهها واستعدا للقيام بما يلزم خاصة في السياق الفلسطيني والإقليمي العربي لتشجيع نتن ياهو على القبول بها والانضمام إليها.
في السياق الإسرائيلي سعى كيري لإقناع زعيم المعارضة هيرتزوغ بالانضمام إلى حكومة نتن ياهو، وإخراج اليمين المتطرف منها لتقوية الائتلاف الحكومي ورفع سيف بينيت عن رقبته وتشجيعه على القبول والمضي قدما بالخطة، والمبادرة رغم أن نتن ياهو لم يقبلها منذ اللحظة الأولى، وأصر أصلا على حضور القمة لقطع الطريق عليها عبر طرح خطته ومبادرته الخاصة، وعزل كيري والاحتفاظ بقنوات مفتوحة مع الزعيمين المصري والأردني.
خطة نتن ياهو الخاصة عبرت عن مزاج مناقض لخطة كيري على علاتها، وهو تحدث عن خطوات اقتصادية اجتماعية لتحسين أوضاع الفلسطين في الضفة وغزة، مقابل مفاوضات بلا شروط طبعا وتطبيع مع الدول العربية وطوال الوقت ظلّ يتحدث عن حكم ذاتي موسع أو دولة ناقص بدون الأمن والسيادة وطبعا بدون القدس، وحق العودة وعلى قاعدة عكس بنود المبادرة العربية.
غير أن الإعلام للأسف لم يهتم، ويسلط الضوء كما ينبغي على دخول مبعوث الرباعية رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير على خط جهود كيري كمقاول ثانوي أو من الباطن أو على خطاب أسيوط للرئيس المصري في حزيران/ يونيو 2016 والذي تحدث فيه عن سلام مصري إسرائيلي دافىء، ورغبة بتعميمه على الدول العربية، كما عن امتلاكه لخطة أو مبادرة للمصالحة الفلسطينية الفتحاوية الفتحاوية والحمساوية الفتحاوية على الطريق نحو استئناف مفاوضات التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع استعداد لبذل كل الجهود الممكنة لإنجاحها.
خطاب السيسي جاء كجزء من مساعي تكميلية قام بها توني بلير، وكان يفترض أن تدفع نتن ياهو إلى ضم هيرتزوغ لحكومته بدلا من بينيت، وكان رئيس الوزراء البريطاني وكما قالت الصحف الإسرائيلية آنذاك عمل بشكل مكوكي بين القاهرة وتل أبيب لإقناع هيرتزوع بجدية المسعى ومساعدته على تجاوز المعارضة الداخلية المشككة بنوايا نتن ياهو في صفوف حزب العمل حزب العمل، وقام بالتأثير كذلك على فحوى خطاب الرئيس المصري مستغلا اندفاع وتعطش هذا الأخير لتحقيق أي إنجاز يخفي فيه عوراته الداخلية ويخفف الضغوط السياسية والإعلامية الخارجية عليه عبر البوابة الإسرائيلية التقليدية.
السيسي قام بدوره وفق ما هو مرسوم له من بلير وعلى أكمل وجه غير أن المفأجاة أو بالأحرى نصف المفاجأة جاءت من نتن ياهو الذي ضرب بكل تلك المساعي والوساطات عرض الحائط وبدلا من يكسر إلى الوسط أو يمين الوسط بالأحرى، وبالمعنى الإسرائيلي طبعا عبر ضم ههريتزوغ للحكومة كسر يمينا بضم أفيغدور ليبرمان للحكومة، وبالتالي تشكيل الائتلاف الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية.
نتن ياهو وكما قالت هآرتس الأحد قبل الماضي - 19 شباط/ فبراير - كان يعرف منذ البداية موقف أركان ائتلافه هو عجز عن تمرير خطة كيري، وحتى خطته هو شخصيا المتعلقة بالمبادرات والتسهيلات الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين مقابل اتصالات ومفاوضات مع الدول العربية، ورغم ذلك تساوق مع جهود كيري وبلير لاتنزاع تنازلات أخرى من الرئيس المصري والملك الأردني واستهلاك وتقطيع الوقت إلى أبعد مدى زمني ممكن، أي إلى حين انتهاء ولاية أوباما كما كان يقول أو يتبجح وبشكل علني.
الاستنتاج الأهم من المعطيات السابقة مجتمعة يتمثل طبعا بنهاية عملية التسوية، كما رأيناها في العقدين الماضيين، ومعها طبعا حل الدولتين، وإصرار حكومة نتن ياهو اليمينية المتطرفة على فكرة الحكم البلدي الذاتي الموسع لفلسطين وعلى نصف الضفة الغربية طبعا مع احتفاظها بالسيادة والسلطات الأمنية على الكيان الفلسطيني، الخداج وتكريس الانقسام والانفصال الأبدي بين الضفة الغربية وغزة، مع عدم ممانعة إعلان دولة فلسطينية فيها، وانفتاحها على مصر ضمن السيناريو المعروف بدويلة غزة سيناء.
بنظرة إلى الوراء وضمن ربط المعطيات والأحداث بدا لافتا أن السيسي وبعد خطاب أسيوط الذي كان جزء من سيناريو كيري- بلير، قام بدعوة حركة الجهاد الإسلامي للقاهرة -19 حزيران - بزعم امتلاكه لمبادرة فلسطينية، وطبعا أعلنت الحركة دعمها للمبادرة الوهمية والمزعومة التي كانت تهدف أصلا إلى ضم هيتزوغ لحكومة نتن ياهو، وفي أحسن الأحوال حل نهائي يتضمن الدولة اليهودية وسلام إقليمي عربي إسرائيلي.
هذه لم تكن المرة الأولى بل الثانية التي يستخدم فيها النظام المصري حركة الجهاد لتبييض وجهه البشع وسياساته والتغطية ولفت الانتباه عن سياساته الكارثية والضارة؛ فقد جرى ترتيب زيارة للحركة للقاهرة –28 شباط/فبراير 2015- في نفس اليوم الذي صدر فيه الحكم باعتبار حماس حركة إرهابية. أما المرة الثالثة ونتمنى أن تكون الأخيرة فقد حدثت في تشرين ثانى نوفمبر من العام الماضي 2016 على وقع امتلاك القاهرة خطة أو مبادرة للانفتاح على الوضع الفلسطيني وغزة تحديدا عبر فتح معبر رفح لاوقات اضافية وتقديم تسهلات اقتصادية أخرى من أجل تخفيف الحصار عنها، وهو ما لم يتحقق بالطبع، ولم يكن سوى خداع وذر للرماد في العيون من أجل تعويم القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان وإعادته للمشهد السياسي والحزبي على أعتاب مؤتمر حركة فتح السابع الذي عقد في أواخر الشهر نفسه ووجّه ضربة قوية وقد تكون قاصمة للمسعى المصري لرعاية ودعم انشقاق داخل حركة فتح وهو الأمر غير المسبوق في تاريخ القضية الفلسطينية أو العلاقة المصرية الفلسطينية بشكل عام.
• باحث وإعلامي فلسطيني
شارك
المزيد حول هذا الموضوع
حماس زيارة ناجحة ولكن غير مثمرة لمصر
01-Feb-17 04:32 PM
المزيد من هذا الكاتب
