اشتهرت في تاريخنا العربي قصة قيس وليلى، التي انتهت بشكل مأساوي عندما رفض أهلها تزويجها له بسبب أنه شبب بها (أي تغزل وأطنب في الوصف والعشق)، وزوجها أهلها لآخر لا تحبه فماتت ليلى العامرية من اللوعة والأسى والحسرة، وفقد قيس بن الملوح عقله وأصبح مجنونا يبكي على أطلال قبرها. طبعا هناك قصص كثيرة مماثلة وخلدت بسبب النهاية الحزينة، إلا أن ما يثير الدهشة حقا هو مشاعر عائلتها، وبالذات الأب، الذي يدوس على قلبه ومشاعره ويحطم حياة ابنته، وذلك كي لا يقال إنها تزوجت مَن شبب بها.
المشكلة في ذلك العصر أصعب من أن تُشرح، إلا أن قرب عصرهم من مرحلة زمنية سابقة (الجاهلية) جعلت التغيير التاريخي لعادات القبائل بطيئا، بعيدا عن أن الإسلام أتى بعد الجاهلية.
في أوروبا حدثت قصة روميو وجولييت، وإن كان سبب الرفض شيئا مختلفا، فهم كانوا من عائلتين إيطاليتين متناحرتين وبينهما ثارات لا يتم مسحها بسهولة، إذ قتل أخو جولييت صديقَ روميو الحميم، فثار غضب روميو وقتل أخا جولييت وأنهى بعدها بصيص الأمل الذي كاد أن يجمعهما، حتى وصلوا إلى فكرة السم المشترك وماتوا شهداء للحب.
قبل أيام تحولت كل مدن العالم تقريبا إلى حديقة غناء تتلحف بالورود الحمراء كنية عن يوم الحب المسمى بـ«الفالنتاين»، وهي كلمة إيطالية نسبة إلى قديسين في إيطاليا. طبعا كلنا يعرف أن الحب كأية عاطفة أخرى بلا جنسية أو مذهب أو عرق، وكم شهدنا زواجات تحدث بين أطراف لا يمكن تصور تجانسهما أو مناسبتهما لبعض، إلا أن الحب شق طريقه بين صخور قلوبهما المتحجرة وجمع بينها بسحر لا يصدق.
هل الحب يحدث منذ النظرة الأولى؟ نعم. هل يحدث بعد عشرة طويلة؟ نعم. هل يحدث بعد محادثات هاتفية فقط؟ نعم. هل يحدث بعد مراسلات فقط؟ نعم.
هل يحدث بين رجل مسن وشابة صغيرة؟ نعم. هل يحدث بين امرأة مسنة وشاب صغير؟ نعم. فهو يحدث في كل تلك الظروف. صحيح أن الوضع الطبيعي هو حدوثه بين شاب وفتاة، أو حتى رجل كبير وأخرى قريبة من سنه، بعد أن تجمع بينهما علاقة طبيعية ممتدة لفترة معقولة، إلا أن الحالات الأخرى قد تحدث أيضا، فالحب غير مأمون الجانب، فهو يسرق المشاعر من حيث تدري ولا تدري، وقد لا تريده إذا فكرت بالأمر بشكل عقلاني، ولكن هل سيستأذنك قلبك يا ترى؟
لا ريب أن البعض يتساءل لماذا يعمد السعوديون إلى الاحتفال بيوم الحب، وهم لا ناقة لهم ولا جمل في الأمر، فهم لا يستطيعون كرجل وامرأة الالتقاء منفردين إلا إذا كان هناك نية للزواج، وبوجود محرم بطبيعة الحال، احتراما للعادات والتقاليد أو ربما خوفا. وبرأيي أن الإقبال على شراء الورود هو تعبير ومشاعر وأحلام تدور في أذهان الجميع عن ذلك الشخص الذي سيرتبطون به من جهة، إذا كانوا لم يرتبطوا بعد، ومن جهة أخرى تكريس لعلاقة حب قائمة فعلا، وفي السعودية غالبا ما تكون بين زوجين. كلي أمل في أن السعوديين مارسوا تلك المتعة البسيطة التي لا تتجاوز شراء ورد أحمر يقدمه المتزوجون أو المخطوبون إلى بعضهما، إذ كان الورد الأحمر يتبخر في السنوات الماضية لأنه يعتبر تشبها بغير المسلمين، مع أن المسلمين وغير المسلمين يعملونها في الديار الأخرى من دون أي موانع. نشر ثقافة الحب دواء ناجع وفعال مقابل ثقافة الكراهية التي دمرت شعوبا ودولا، فبالحب تختفي الأحقاد والأمراض والعلل النفسية، وتدفع كل المحبين للاستيقاظ كل صباح بسعادة واندفاع ولوعة. إنه يوم جديد يلتقون به بالحبيب، فما أجمل الحب.