نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن، مقالا للكاتب عمرو خليفة، يقول فيه إن الحكومة
المصرية أزهقت أكثر من 800 روح خلال
ثورة 2011، التي تمر ذكراها هذا الأسبوع.
ويقول الكاتب إن "تلك الأرواح كانت هي المحظوظة، أما التسعين مليون مصري، الذين سحقهم الحكم الظالم لثورة مضادة هبطت بمصر إلى مستويات لم يسبق أن وصلت إليها، فهم غير المحظوظين".
ويستدرك خليفة بأن "التغيير قد يكون على قدم وساق، والمفارقة العظمى هي أن من قاد الثورة المضادة، الرئيس عبد الفتاح
السيسي، قد يصبح هو المحفز لمواجهة قادمة".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه "في الوقت الذي قام فيه مئات المصريين بدفن موتاهم، والآلاف قاموا بالاعتناء بالجرحى، فإنه لم يكن ممكنا لأحد أن يتهم بعدم فهم طبيعة الصراع الحقيقية، حيث إن الكثيرين اعتقدوا أن الصراع كان لأجل الكرامة والحرية والخبز، لكن الجيش كان يقاتل لحماية إمبراطوريته المالية الضخمة".
ويقول خليفة: "قد تكون عبارة (تتبع الأموال)، التي استخدمت في دراما (رجال الرئيس كلهم)، التي تحدثت عن كيفية تتبع الصحافيين للخيوط للكشف عن فضيحة ووترغيت، مفيدة هنا، فمع نهاية عام 2011، بحسب معظم التقديرات، كان الجيش يسيطر على 25% إلى 40% من الاقتصاد المصري، وتبقى السرية هي دأب الحكومة الدائم".
ويضيف الكاتب أن "السرية ليست بخصوص أسلحة الجيش، ولا أماكن وجودها، لكن كمية الباستا والماء وغيرهما من السلع والخدمات التي تشكل النفوذ الاقتصادي الحقيقي للجيش".
ويتابع خليفة قائلا إنه "في الوقت الذي حارب فيه الثوريون، وركزوا على طبيعة النموذج السياسي الذي جاء به الإخوان المسلمون للسلطة، فإن الثورة المضادة، ممثلة بالسيسي وعصبته، سعت لحماية مصالحها الاقتصادية فوق كل شيء، وكما تبين، فإن الثوار كان لديهم قلب أكثر من حيلة سياسية".
ويواصل الكاتب قائلا: "تقدم ست سنوات إلى الأمام وأجب عن السؤال الآتي: إن كان عدد قليل من الرجال المسنين يملكون نسبة أكبر من الاقتصاد، ويفتقر هؤلاء الرجال إلى (التجربة ذات الصلة، والتدريب والمؤهلات لهذه المهمة)، فلماذا يكون من المفاجئ أن يكون المصريون يواجهون سرطانا اقتصاديا؟".
ويلفت خليفة إلى أن "مراقبي معسكر السيسي يفهمون أن الأصابع المتعثرة والمعرضة للخطأ قامت بالتلاعب في قطاعات أخرى غير الاقتصاد أيضا، ومثال على ذلك (القنبلة السياسية) في شهر كانون الثاني/ يناير، عندما عانى النظام من هزيمة مخزية، حيث حكمت المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية تيران وصنافير".
ويبين الكاتب أن "حكم المحكمة، الذي لم يصل إلى حد تسمية المناورات بشأن الجزيرتين، لم يكن خيانة أقل من صفعة لحكومة السيسي، وقال قرار المحكمة إن تسليم الجزيرتين (خطأ تاريخي كبير)، ولا يقل عن كونه (تهديدا دائما للأمن القومي المصري.. وضررا للمصالح الاقتصادية المصرية داخل مياهها الإقليمية)، وكان الحكم، الذي لم يكن مجاملا، رسالة مهمة لنظام يعتقد بأن القوة فوق الحق".
ويذكر خليفة أنه "بعد ذلك بيوم واحد، وربما لصرف أنظار الشعب عن جزر البحر الأحمر، قررت جوقة السيسي أن تشوه سمعة بطل قومي، محمد أبو تريكة، الذي يعد أفضل لاعب كرة مصري خلال العشرين سنة الماضية، حيث أعلن رسميا عن أنه إرهابي؛ بسبب ما يتهم به من تأييد للإخوان المسلمين، بالرغم من حكم محكمة بإلغاء قرار تجميد أمواله وأصوله المالية، وخلال ساعتين راج هاشتاغ #أبو تريكة ليس إرهابيا على (تويتر) مصر، وهذا الخطأ المضحك في حسابات الحكومة ليس هو الاستثناء".
ويجد الكاتب أن "النظام الحالي يصر على تحويل المشهد المصري الهادئ إلى بحر من الغضب، وبدلا من توفير الأمن، فإن السيسي مغرم بمواقف استعراض العضلات، وهو ما يدفع الشعب باتجاه المواجهة، وكانت تلك أحداث الأسبوع الماضي فقط، لكن أن كان سيدفع الحكام الحاليون ثمنا لتجاوزاتهم العديدة على المدى المتوسط فإن سوء الإدارة الاقتصادية سيكون مقتلهم".
ويشير خليفة إلى أن "معظم المصريين يعانون من تضخم قاتل، تضاعف خلال الأسابيع التسعة الماضية إلى أكثر من 24.3%، بالإضافة إلى ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بنسبة 29.3%، وتشكل هذه ضغطا شديدا على حكومة متعثرة".
ويورد الكاتب أن "التحالف الضروري مع السعودية، وهي الممول الرئيس للسيسي، في حالة تراجع، وعلى السيسي أن يعرف أن المصريين تعبوا من عدم الاستقرار على مدى السنوات الست الماضية".
ويقول خليفة: "ربما يكون السيسي، بصفته رجل مخابرات سابقا قد حسب بسذاجة أن توجيه المسدس لرأس الناس أعاد إليهم الخوف الذي تبخر خلال الثورة، لكن ذلك قد يثبت أنه سوء حساب قاتل".
ويضيف الكاتب: "لم تعرف مصر منذ عام 1952 سوى الحكم العسكري، عدا سنة من رئاسة محمد
مرسي، سعى خلالها للقضاء على المعارضة السياسية والنشاط السياسي على المسرح السياسي المصري، ولذلك فإن حلا سياسيا كهذا غير وارد، وأحسن ابراهيم عيسى الوصف، عندما قال إن قلب النظام لا يتسع إلا للنظام".
ويلفت خليفة إلى أن "موت العملية السياسية وحرية التعبير في هذه الدولة البوليسية ليس سرا، فإذا اعتبر الحديث (غير مهني وغير موضوعي)، كما وصفه السيسي، فإن ذلك قد يقود إلى مواجهة وعلى مستوى واسع وليس سياسيا فقط، وإن كان هناك طرف لا يسمع المستوى العادي من الصوت فإن رفع الصوت يصبح أمرا منطقيا، ومن يجوع لمدة كافية يفقد كل خوف لصالح غضب يتعاظم".
ويفيد الكاتب بأن "ثورة 25 كانون الثاني/ يناير كانت تعبيرا سلميا عن غضب عميق، لكن أي مواجهة قادمة لن تكون كذلك، وذلك لسببين: افتقار الدولة إلى التنظيم، والفوضى هي السائدة، كما أثبتت مذبحة رابعة، فإن سفك الدماء المصرية بحجة حماية سيادة مصر والأمن القومي خط غير واضح، وإن وقعت مواجهة كتلك التي وقعت عام 2011، فإن الكثير يتوقعون أن عدد الضحايا سيكون مضاعفا أضعافا كثيرة عن أولئك الذين قضوا خلال الثورة".
ويقول خليفة: "لنكن واضحين: فمن ناحية اقتصادية ومن ناحية سياسية، فإن حكم السيسي يشبه ديناميكية احتلال من قوة أجنبية، ولتغيير ذلك سيكون الثمن دماء غزيرة، وقد يتساءل البعض لماذا لا يمكن للقيادات المدنية، مثل محمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل، أو حامدين صباحي، أن يقودوا البلد؟".
ويعلق الكاتب قائلا إن "الجواب ببساطة أن مصداقية الرجلين تراجعت، فالبرادعي غادر بعد
انقلاب 2013، حيث شعر البعض أنه ترك مصر في وقت هي في أشد الحاجة إليه، أما صباحي فقد خسر مصداقيته لأنه ترشح ضد السيسي عام 2014، مضفيا شيئا من المصداقية الكاذبة على الانتخابات، فدون قيادة ومطالب واضحة وخطة فإن الفوضى العنيفة هي الأكثر احتمالا".
ويتساءل خليفة قائلا: "ما هو البديل؟ فهو انقلاب عسكري، وهو الطريق الثاني للتحول السياسي في مصر، الذي لا يريد المصريون الذين يؤمنون بالنموذج المدني أن يروه، فهو انقلاب، هذا الخيار كان موجودا مثل الشبح في الإمارات، ينتظر الظهور منذ نجاح مرسي في الانتخابات عام 2012 على شكل أحمد شفيق".
ويوضح الكاتب أنه "بالنسبة لملايين المصريين، كان شفيق خيارا معقولا، وكاد أن يفوز في الانتخابات الرئاسية عام 2012، ولأن الشعب تحول نحو اليمين خلال حكم السيسي، فقد يبدو شفيق الشخصية الوسط التي تجمع، وهو الشخص المناسب إن بقي السيسي يخسر المؤيدين في الداخل والخارج".
وينوه خليفة إلى أن "هناك أيضا وزير الدفاع، فالسيسي نفسه قام بالانقلاب لما كان وزيرا للدفاع، ولذلك فإن صدقي صبحي يبقى احتمالا لإرضاء الشعب الغاضب، ولحماية مصالح المؤسسة العسكرية، والحفاظ على قبضة قوية على السلطة السياسية".
ويخلص الكاتب إلى القول: "لا أحد يعلم ماذا يمكن لمثل هذه الخيارات أن توصل إلى الطاولة، لكن الشعب يريد التغيير، الذي سيكون بعد أن يكون الحذاء العسكري وضع حدا للآمال الديمقراطية".