نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن مقالا للكاتب عمرو خليفة، ابتدأه بالقول إن رأس السنة مرتبط تقليديا بالأمل، لكن منذ أن سيطر عبد الفتاح
السيسي على السلطة في
مصر، أصبح الأمل بعيد المنال.
ويقول الكاتب: "كنت أتحدث قبل يومين مع زميل لي وصل إلى نيويورك قريبا، حيث تبين لي بسرعة أن قلة الأمل وتنامي الغضب أصبحا معيار واقعنا الجديد، وقال لي إن راتبه في نيويورك لا يكفيه في مصر؛ بسبب التضخم المفرط، وقال لي: "اشترينا غسالة بـ3500 جنيه مصري (195 دولارا أمريكيا) قبل ثلاث سنوات، وأصبح ثمن الغسالة ذاتها في السوق أمس 17 ألف جنيه مصري (945 دولارا أمريكيا)".
ويضيف خليفة: "مع ذلك، فإن صديقي في حال أفضل من كثير من المصريين من الطبقة المتوسطة والطبقة المتوسطة الدنيا، وما لم تكن غارقا مثلهم سيصعب عليك أن تستوعب التوقعات المخيفة: دون تغييرات سياسية واقتصادية مهمة ومباشرة فإن من غير المحتمل أن يتم السيسي عامه هذا في الرئاسة".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه "جرى هذا الأسبوع حوار غريب في المقهى ذاته، الذي كان 99% من زبائنه يؤيدون السيسي، واستخدموا القوة في الماضي ضد الأصوات المعارضة له، وكان الحوار يدور حول من يمكن أن يحل محل السيسي؟ فبالنسبة للكثير لم تعد المسألة إن كان يجب على السيسي أن يذهب، ولكن متى سيذهب، وكيف، ومن يمكن أن يحل محله، ويصبح السؤال المركزي: هل هناك حوارات مشابهة في دوائر السلطة؟".
مطرقة تبحث عن مسامير
ويقول خليفة: "إذا أردنا أن نقسم فترة حكم السيسي إلى نصفين، يمكننا القول مطمئنين بأن الإخفاقات الأولى ناتجة عن العقلية العسكرية التي تعمل كمطرقة تعد كل شيء في طريقها مسمارا يجب أن يسوى بالأرض، وسواء كانت تلك المسامير مواطنين مصريين مسالمين ذوي اتجاه إسلامي، أو ناشطين ثوريين، أو مفكرين، أو صحافيين، فإنه من الواضح أن السيسي أصبح رئيسا، وقرر ألا يسمع المصريون صوتا غير صوته، وتوقع البعض بأنه يرى نفسه جمال عبد الناصر الجديد، مستبدا قوميا ينقذ مصر من عوامل التدهور السياسي والاقتصادي، لكنه يفعل ذلك بعقلية: (على طريقتي.. وليس طريقة أخرى)".
ويضيف الكاتب: "مع أنه من المعروف أن السيسي كان واحدا من عدد ضئيل من المسؤولين الذين وقفوا خلف مذبحة رابعة، التي ذهب ضحيتها أكثر من ألف مصري، إلا أنه لم يواجه مشكلة في أن يصبح رئيسا؛ لأن المفهوم العام كان أنه سيخلص مصر من الإخوان المسلمين، وكان ذلك كفيلا بأن يضمن له الفوز في الانتخابات".
ويستدرك خليفة بأن "الضرب بيد من حديد ضد مجموعة ارتكبت الإثم الأكبر في أن حاولت أن تقدم حلولا سياسية في إطار ديني مسألة، وحل مشكلة دولة في حالة انهيار هو مسألة أخرى".
إسكات الناقدين
ويلفت الكاتب إلى أنه "لم تمر فترة طويلة على سجن أكثر من 60 ألف مصري بسبب آرائهم السياسية، يعدهم النظام مثيرين للمشكلات حتى تبين أن تكميم الأفواه توسع أكثر ليشمل هجوما على المنظمات غير الحكومية والإعلام برمته، وحاول بعض محبي السيسي القول بأن هناك أقلية في مناصب عليا هم من يستخدمون تكتيك اليد القوية، والسيسي نفسه يصر على أن الصحافيين المصريين يتمتعون بحريات لا تضاهى، وقال السيسي في أيلول/ سبتمبر 2015: (لا أريد أن أبالغ.. لكن لدينا حرية تعبير غير مسبوقة في مصر)".
ويستدرك خليفة بأن "الحقائق على الأرض تكذب ادعاءات السيسي، حيث أطلق عليه تقرير (مراسلين بلا حدود) وصف (مفترس الحريات الصحافية)، والأثر سلبي مضاعف، فإن لم يتمكن الصحافيون من إرسال تقاريرهم بحرية، فإن نظام الضوابط والتوازنات ميت ابتداء، ويحرم السلطة الخامسة من دورها الناقد، ويحرم المصريين حقهم في المعلومات والتحليلات المهم جدا، خاصة عندما تكون رواية الحكومة دائما مجانبة للواقع".
ويورد الكاتب "مثالا على ذلك هو استثمار قناة السويس، حيث كلف المشروع 8.5 مليار دولار، ولم يزدد عدد السفن التي تمر من القناة وتدفع الرسوم بسوى 0.0033%، بعد أن تم الانتهاء من التوسعة، فهل كان سيكون لدينا مبلغ 8.5 مليار دولار الآن في هذه الفترة الاقتصادية العصيبة لو تمتع الصحافيون المصريون بحرية التحقيق وكتابة التقارير للقارئ حول المشروع قبل بدئه؟".
تجميد نفسه
وينوه خليفة إلى أن "النصف الثاني من فترة حكم السيسي تتعلق بفشله الاقتصادي التام، الذي أصبح أكثر سوءا بسوء إدارته للعلاقات الدولية المتعددة، خاصة في الخليج، الذي له أهمية خاصة، والذي خسر ثقته في قيادة السيسي، وفي خسرانه لمؤيديه الداخليين وداعميه الخارجيين، فإن السيسي يزيد النار على نفسه، فكثير ممن دعموه في الإمارات والسعودية ومن رجال الأعمال المصريين والطبقة المتوسطة العليا -هذا عدا عن 27 مليون مصري معدم، بما في ذلك كثير من الأقباط- كلهم يشعرون بأن السيسي خذلهم، ويتخلون عنه بسرعة، فغرد الملياردير المصري نبيل ساويريس الشهر الماضي، قائلا: (لا أدري كيف كان عام 2016 بالنسبة لك، ولكنه بالنسبة لي كان فظيعا)".
ويعلق الكاتب قائلا: "فإن كانت الأمور بهذا السوء سياسيا واقتصاديا، لتجعل رجلا من (الطبقة العليا) يشكو، فكيف تظنون الأكثرية العظمى من التسعين مليون مصري رأوا العام الماضي تحت قيادة السيسي؟ وإن كان السيسي سيقضي عام 2018 بصفته مواطنا، أو أن يلاقي مصيرا مشابها لسابقيه، فإن الاقتصاد سيكون هو الذي وضع حبل المشنقة حول رقبته، فمنذ تخفيض سعر الجنيه المصري، بناء على أحد شروط صندوق النقد الدولي لتقديم قرض قيمته 12 مليار دولار، ارتفعت أسعار السلع إلى عنان السماء".
ويقول خليفة: "عندما تحدثت مع عدد من المحللين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كان هناك توقعان أجمع عليهما الجميع: التضخم في مصر، والأسعار سترتفع بشكل كبير، ويصبح إيجاد شبكات أمان اجتماعي أمرا في غاية في الأهمية".
ويضيف الكاتب: "للأسف، بالنسبة للشعب والمؤلم غالبا للسيسي، هو أن التوقع الأول حصل، فالتضخم في طريقه ليصبح 20% وأكثر من ذلك، لكن لم يتم إيجاد أي شبكات أمان، وتراجعت الأمور بشكل سريع إلى حد أنه خلال حديث على (سكايب) فيديو لاحظت أن التي كانت في الطرف الآخر كانت تلبس ملابس دافئة، وتلف نفسها ببطانية، وكنت أعرف أن الجو بارد في القاهرة، فسألتها لماذا لا تستخدم مدفأتها، فكان جوابها: (هل تعرف كم ارتفعت تكلفة الكهرباء، وكم سيكلفني استخدام المدفأة؟)".
ويفيد خليفة بأن "المصريين يضطرون لمواجهة خيارات تحت حكم السيسي يجب ألا يضطر أي إنسان لأن يواجهها، فعندما يكون هناك ما يكفي من المصريين، الذين يعانون البرد والجوع والغضب، فلن تستطيع أي حسابات سياسية أو أمنية أن توقف الطوفان الذي لا بد منه".
صفقات الأسلحة السخية بينما يجوع الشعب
ويجد الكاتب أن "ما يسرع من نهاية السيسي السياسية، هو عدم تمكنه من قيادة الشعب إلا بصفته عسكريا، فمع أن السيسي يعلم جيدا بأنه اقتصاد بلده ينحدر إلى حدود لم تشاهد من قبل، إلا أنه استطاع أن يكون ثاني أكبر مشتر للأسلحة بعد قطر عام 2015، حيث أنفق ما يقارب 12 مليار دولار، وعندما يجد المصريون من الطبقات كلها في هذا الوقت صعوبة في شراء الأرز والسكر والشاي وزيت القلي؛ بسبب انفجار الأسعار وقلة المعروض، كيف يمكن لشخص أن يتخيل بألا يفور التنور، مع علم الناس أن المليارات تنفق على الأسلحة، التي في الغالب ستستخدم في قمعهم وليس في الحرب؟".
ويذهب خليفة إلى أن "هذه التداعيات ليست غربية عن ديكتاتوريي العالم، لكنها أيضا تقود في العادة إلى النهاية المعروفة للقصة، وعندما تفكر في قصة السيسي تذكر بأن السياسة والحفاظ على السلطة هي كأحجية مكعب روبيك وبناء العلاقات، مرسي قبله استعدى الكثير من المعسكرات القوية ودفع الثمن، والسيسي ينسى ذلك، لكن هذه السنة ستذكره، ففي اللحظة التي يبدأ فيها الأشخاص غير المناسبين في صفوف الشرطة والجيش الفهم بأن رئاسته تسير ضد مصالحهم، سيصبح مجرد ملاحظة على هامش التاريخ".
ويؤكد الكاتب أن "لا أحد بكامل عقله يستطيع الجزم بتاريخ عزل السيسي عن السلطة، فالتوقيت والطريقة ومن سيقوم بذلك هي من علم الغيب، لكن ما هو أكيد هو أن السيسي، وبدلا من أن يصحح أخطاء الحكم الكثيرة، فإنه يستمر بالزحف نحو الهاوية بأسلوبه المضحك المبكي".
ويخلص خليفة إلى القول: "إن استمر هذا الأمر على ذلك، فإن التوقع لهذا العام سيكون حقيقة قبل نهايته".