أصابت الحيرة الكثيرين بشأن ما أعلنه
البنك المركزي المصري من وجود فائض بالميزان الكلى للمدفوعات خلال الربع الثالث من عام 2016، خاصة مع بلوغ الفائض 9ر1 مليار دولار خلال ربع عام، والذي تغنت به وسائل الإعلام الموالية لنظام الانقلاب الحاكم، كفرق بين موارد بلغت 7ر21 مليار دولار ونفقات 9ر19 مليار دولار.
إلا أن تفاصيل تلك الموارد تكشف عن مصدر ذلك الفائض، والمتمثل في القروض التي توسع النظام بها منذ نضب معين المعونات الخليجية، وهكذا توزعت الموارد ما بين 3ر7 مليارات دولار قروض، بينما كان إجمالي الصادرات السلعية شاملة البترولية 3ر5 مليارات دولار.
وبالمركز الثالث تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنحو 4ر3 مليارات دولار، ثم الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 9ر1 مليار دولار، وقناة السويس 3ر1 مليار دولار، وخدمات النقل البحري والجوي والبري 1 مليار دولار، وبالمركز الثامن السياحة بنحو 758 مليون دولار.
وهكذا يتضح استحواذ القروض على نسبة 34 % من إجمالي الموارد، بينما بلغ نصيب إيرادات قناة السويس بعد مرور نحو عام على افتتاح التفريعة الجديدة بها 6 %، مع تراجع إيراداتها بنسبة 5 % عن نفس الفترة من العام السابق.
الأمر الذي يعني أنه بدون تلك القروض كان الميزان الكلي للمدفوعات سيسفر عن عجز بنحو 4ر5 مليارات دولار، وكان نصيب القروض من إجمالي الموارد
الدولارية خلال الفصول الثمانية الأخيرة قد تراوح ما بين نسبة العشرين بالمائة إلى نسبة 34 % كأكبر مورد.
وهكذا أصاب العجز غالب الموازين الفرعية داخل الميزان الكلى للمدفوعات خلال الربع الثالث من 2016، فالميزان التجاري السلعي بلغ عجزه 7ر8 مليارات دولار، وميزان المعاملات الجارية بلغ عجزه حوالي 5 مليارات دولار خلال ربع عام، مما يعني إمكانية بلوغه العشرين مليار دولار خلال العام المالي الحالي 2016/2017 إذا سارت الأمر على نفس النهج خلال باقي العام المالي.
وهو ما يعني أن الفائض التاريخي بميزان الخدمات، وتحويلات المصريين بالخارج والمعونات الدولية، لم تعد جميعها كافية لتغطية العجز المزمن بالميزان التجاري وحده.
وتكتمل صورة العجز بالموازين السلعية حيث يستمر الميزان السياحي في تحقيق عجز للربع الثالث على التوالي، وهو أمر غير مسبوق تاريخيا في بلد يعتمد على السياحة كرافد رئيسي للنقد الأجنبي.
وتركز العجز بميزان دخل الاستثمار، والذي يتوقع زيادته خلال الفصول المقبلة بعد السماح للشركات الأجنبية العاملة بمصر في الخروج بأرباحها بعد تضييق استمر لفترة، حتى ميزان الخدمات بخلاف النقل والسياحة كان به عجزا.
تدني المعونات الأجنبية
ومن الأمور الخطيرة تدني نصيب المعونات الدولية والخليجية للنظام المصري لحوالي المائتي مليون دولار فقط خلال 21 شهرا، منها 13 شهرا حضرتها وزيرة التعاون الدولي الحالية والتي كانت تعمل بالبنك الدولي، وبما يشير إلى عدم صحة ما تعلنه من أرقام ضخمة عن المنح التي حصلت عليها.
ولعل المقارنة بآخر ربع عام للمعونات الخليجية والبالغ 1131 مليون دولار تشير لتدني حصيلة الفصول السبعة الأخيرة.
ورغم تعويل محافظ البنك المركزي على استثمارات الأجانب بالبورصة وبأذون الخزانة المصرية، كسبب رئيسي لخفضه سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي في مارس الماضي، إلا أن النتيجة كانت مفجعة حين أسفرت تعاملات الأجانب بالبورصة المصرية عن صافي تدفق للخارج بنحو 841 مليون دولار خلال ربع عام.
ولعل تلك النتائج التي تشير إلى ضعف الموارد الدولارية مقابل المدفوعات المطلوبة لاستيراد السلع الغذائية الأساسية وكذلك المنتجات البترولية الغاز الطبيعي وأقساط الديون، تكشف عن سبب إسراع مجلس الوزراء المصري في إرسال اتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية إلى البرلمان لإقرارها، بعد انقطاع كميات البترول الشهرية التي كانت ترسلها السعودية مع السداد الآجل لثمنها.
وكانت بيانات البنك المركزي الخاصة بصافي الأرصدة من العملات الأجنبية بالجهاز المصرفي، في آخر أكتوبر الماضي قد كشفت عن بلوغ العجز بالجهاز المصرفي نحو 13 مليار دولار، منها 7 مليارات دولار بالبنوك و6 مليارات دولار عجزا بالبنك المركزي.
ومن ناحية أخرى بلوغ أرصدة القروض من العملات الأجنبية ثلاثة أضعاف الاحتياطيات منها، حتى بعد وصول القسط الأول من قرض صندوق النقد الدولي، والشريحتين الأولى والثانية من قرض البنك الدولي.
مع الأخذ في الاعتبار تراجع تنازل المصريين عما لديهم من دولارات للبنوك، توقعا لزيادة قيمتها فى ضوء ما شاهدوه من ارتفاع سعر صرف الدولار لحوالي العشرين جنيها، وما يتردد من توقعات عن تخطي سعر الصرف هذا القرن خلال العام الجديد وما بعده، وإقرار الجنرال المصري بصعوبة الموقف الإقتصادى خلال الشهور الستة القادمة.