تشكل
الجمارك المورد الثالث من حيث الحجم بين أنواع الضرائب
المصرية، وقدرت موازنة العام المالي الحالي تحقيق حصيلة من الجمارك تبلغ 29.5 مليار جنيه، وهو ما يشكل نسبة 6.8 % من إجمالي حصيلة الضرائب المتوقعة البالغة 433 مليار جنيه، ونسبة 4.4 % من إجمالي إيرادات الموازنة المتوقعة البالغة 670 مليار جنيه.
لكن نتائج الربع الأول من العام المالي الحالي جاءت مخيبة للآمال، حيث لم تحقق الإيرادات الكلية بالموازنة أو الإيرادات الضريبية أو الإيرادات الجمركية، ليس فقط المستهدفات لها، ولكن حصيلتها انخفضت جميعها عما حققته بنفس الفترة من العام الماضي، حيث انخفضت حصيلة الإيرادات بالمقارنة مع نفس الفترة من العام المالي الماضي بنسبة 3.3 %، وحصيلة الضرائب بنسبة نصف بالمائة، وحصيلة الجمارك بنسبة 17 %.
كما تشير المقارنة بالمستهدف إلى تراجع حصيلة الإيرادات الكلية بنسبة 40 %، وتراجع إيرادات الضرائب بنسبة 41 %، وتراجع إيرادات الجمارك بنسبة 42.5 %، رغم رفع نسب الجمارك على نحو 600 سلعة في شهر يناير الماضي، وتكوين لجان جمركية لوضع أسعار استرشادية للواردات السلعية وعدم الاعتراف بالقيم الواردة بفواتير المستوردين.
ومن هنا يمكن تفسير لجوء الحكومة المصرية لفرض جمارك إضافية على حوالي 400 سلعة في بداية الشهر الحالي، كثير منها سبق رفع الجمارك عليه في كانون الثاني/ يناير الماضي، مثل الأجهزة المنزلية التي زادت فئتها مؤخرا من 40 إلى 60 %، ونفس الزيادة لأدوات المائدة والأثاث المعدني والخشبي وبعض أنواع الفاكهة والسجاد والأحذية والأدوات المكتبية وسلع أخرى.
رفع الجمارك يزيد التهريب
إلا أن توقعات خبراء تشير إلى أن تلك الزيادة للجمارك لن تساهم فى زيادة الحصيلة، ولكنها ستؤدي إلى المزيد من التهرب الجمركي خاصة من المنطقة الحرة ببورسعيد، ويعزز ذلك كثرة الإجراءات السلبية التي تعرضت لها السلع المستوردة خلال العام الحالي، والتي أدت إلى ارتفاع أسعارها مما أدى لضعف الطلب عليها وانتشار الركود بالأسواق.
وكانت البداية بالأسعار الاسترشادية التي رفعت من قيمة السلع المستوردة، وبالتالي زيادة قيمة الرسوم الجمركية عليها، ثم كانت قرارات وزارة التجارة والبنك المركزي بالمزيد من الضوابط للاستيراد لتقليل الواردات، مما أدى لنقص الكثير من السلع بالأسواق، وبالتالي زادت أسعارها، ثم كان قرار زيادة الجمارك على 600 سلعة في كانون الثاني/ يناير الماضي، وواكب ذلك نقص الدولار وشراؤه من السوق السوداء بأسعار أعلى مما رفع التكلفة.
ثم كانت ضريبة القيمة المضافة التي زادت العبء، وبعد تعويم الجنيه مؤخرا تغير سعر الدولار الجمركي الذي يتم على أساسه احتساب قيمة الجمارك، ليشهد ارتفاعا بحوالي الضعف من 8.88 جنيهات للدولار الجمركي إلى أكثر من 17.5 جنيها، وأخيرا تجيء الزيادات الجمركية الأخيرة التي ذكر رئيس مصلحة الجمارك أنها ستحقق 6 مليارات جنيه حصيلة إضافية خلال العام، بينما قال أحد نواب وزير المالية إن الحصيلة ستصل إلى 5 مليارات جنيه.
ويزيد رفع الجمارك على استيراد بعض أنواع الفاكهة وغيرها المخاوف من لجوء الدول الموردة لتلك السلع إلى قيامها بزيادة الجمارك على السلع المصرية التي يتم تصديرها إليها وفق مبدأ المعاملة بالمثل.
ورغم تبرير الجهات الرسمية رفع الجمارك الجديد بأنه جاء لحماية المنتج المحلي، فإن إزالة الجمارك على الدواجن المستوردة قبل أيام، رغم صراخ المنتجيين المحليين واعتراضهم، يجعل المبرر مشكوكا فيه، لكن نقص الحصيلة الجمركية مع زيادة أعباء الدعم بالموازنة وزيادة تكلفة استيراد الوقود والسلع التموينية بعد تعويم الجنيه يمكن أن يكون سببا معقولا، في ضوء توقع زيادة عجز الموازنة عما سبق تقديره من بلوغ العجز 319 مليار جنيه بالعام المالي الحالي.
إلا أن سببا آخر يطرح نفسه بقوة، وهو سعي الحكومة لتقليص الواردات لتخفيف الضغط على سعر صرف الجنيه، بعد ارتفاعه بالبنوك لأكثر مما كان عليه بالسوق السوداء قبل تعويم الجنيه، وهو الهدف الذي أعلنه محافظ البنك المركزي ووزير التجارة أكثر من مرة، ورغم النجاح الجزئي مؤخرا في تقليل قيمة الواردات حسب تصريحات وزير التجارة، إلا أن المسؤولين يعرفون أن ما يتم إعلانه من قيمة للواردات السلعية لا يعبر بدقة عن تكلفة الواردات الحقيقي سواء بسبب التلاعب بالفواتير أو بسبب عمليات التهريب واسعة النطاق.
بالإضافة إلى توقع زيادة تكلفة بعض الواردات الحكومية مثل الوقود والسكر، في ضوء ارتفاع أسعارهما بالأسواق الدولية، كما أن كبر حجم الدين الخارجي يجعل قيمة فوائده وأقساطه أعلى مما سبق، بالإضافة إلى بدء السماح للشركات الأجنبية بتحويل أرباحها للخارج.