أثار قرار مجلس الأمن رقم 2334 ردود فعل واسعة، تركز معظمها على إدانة الموقف
المصري الذي حاول تعطيل عرض القرار للتصويت. وربما لم يكن القرار سيحظى بكل هذا الاهتمام لولا تخاذل الموقف الرسمي المصري، فقد تعود العرب على القرارات الدولية التي تضرب بها دولة الاحتلال عرض الحائط دائما.
ويمكن القول إن إدانة الموقف المصري لا تنطلق من أهمية القرار بحد ذاته، وإنما من أن هذا الموقف تراجع حتى عن الحد الأدنى المطلوب من أي دولة صديقة للعرب، فكيف إذا تعلق الأمر بالشقيقة الكبرى.
وفي محاولة لقراءة الموقف المصري، فإن هناك دلالات مهمة، بعضها لم يكن مفاجئا على أية حال، بل هي تأتي في سياق الاستراتيجية المصرية للسياسة الخارجية لنظام الانقلاب، ولكنها ربما المرة الأولى التي تظهر بكل هذا الوضوح بل الانفضاح.
الدلالة الأولى للموقف الرسمي للقاهرة هي أن نظام الانقلاب يعاني من أزمة في
الشرعية، وهو يدرك أن هذه الأزمة تتصاعد شيئا فشيئا مع الفشل الكبير في كل الملفات الداخلية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وبالتالي فإنه يعتقد أن ملاذه الوحيد هو تدعيم شرعيته في الخارج، وهو لا يجد أوسع من البوابة الإسرائيلية للحصول على الرضا الأمريكي لدعم شرعيته المهزوزة.
الدلالة الثانية لموقف
السيسي من التصويت على قرار إدانة
الاستيطان، هي الفشل حتى في قراءة الخارطة السياسية العالمية، فقد قدم ممثل النظام مشروع القرار دون أن يدرك أن إدارة أوباما تدعم التصويت؛ في محاولة من الرئيس الأمريكي توجيه ضربته الأخيرة لحليفه اللدود نتنياهو، إضافة إلى رغبته في ترك نقطة فيما سيعرف لاحقا "بإرث" أوباما. لم يستطع النظام المصري أن يحسب المعادلة السياسية جيدا، فوضع نفسه في حرج كان في غنى عنه، لأن عدم تقديم المشروع من الأصل هو بالتأكيد أفضل من تقديمه ثم التراجع عنه. لقد سجل هذا النظام البائس كرة في مرماه الذي تخرقت شبكته بسبب سوء حساباته السياسية في الملفات كافة!
أما الدلالة الثالثة، فهي أن هذا النظام وصل إلى حالة من الصلف والغرور إلى درجة كبيرة؛ بات معها غير مكترث تماما بالشعب المصري وتطلعاته ورؤيته الوطنية والقومية، ويعتمد النظام في ذلك على ماكينة كبيرة وطاغية من وسائل الإعلام التي تنفذ عملية غسل الدماغ بشكل يومي للمواطنين، ولكن غروره لم يسعفه ليدرك أن القضية الفلسطينية تمثل حالة إجماع مصري، فإذا كان بإمكان الإعلام أن يمارس عملية الخداع في ملف الموقف من سوريا مثلا، لاعتبارات تتعلق بانقسام القوى المصرية تجاه الثورة فيها، فإن التلاعب بالإجماع المصري الشعبي تجاه الملف الفلسطيني أمر في غاية الصعوبة، لم يدركه بعد هذا النظام الذي لا يزال مبتدئا في علم السياسية كما يبدو من تصرفاته! ولذلك فقد تسبب أداء النظام بشأن القرار الأممي في زعزعة الجبهة الداخلية للنظام، حيث لم يستطيع حلفاؤه من القوميين وبعض اليساريين الدفاع عن "ما لا يمكن الدفاع عنه"، وهو ما لوحظ بمقالات وتصريحات كثير من أصدقاء النظام من كتاب وسياسيين، وربما تكون تصريحات المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي هي الأعلى والأوضح في إدانة موقف السيسي ونظامه.
الدلالة الرابعة للسلوك المصري تجاه قرار إدانة الاستيطان، هي فشله في قراءة تحالفاته في المنطقة وليس داخليا فقط، إذ تسبب القرار بإحراج داعمي السيسي الإقليميين وخصوصا دول الخليج. تدرك الدول الخليجية أن الملف الفلسطيني شديد الحساسية ويجب التعامل معه بحذر؛ وهي تعرف بأنها لا يمكن أن تدافع عن دعم نظام يفشل في مجرد اتخاذ موقف يماثل مواقف دول أجنبية مثل فنزويلا ونيوزلندا من القضية المركزية للعرب، ولذلك كان من الطبيعي أن يكتب الأكاديمي الإماراتي المقرب من دوائر صنع القرار في أبو ظبي عبد الخالق عبد الله، إن هناك حديثا داخل الغرف الخليجية المغلقة عن استياء من الأداء الدبلوماسي المصري، وأن هناك شعورا بأن النظام المصري أصبح عبئا ماليا وسياسيا على الدول الخليجية الداعمة له.
يبقى القول إن هذا النظام يسجل في كل يوم خسارة جديدة في الداخل والخارج، وهو يفقد بسبب خساراته حلفاءه المحليين ويمثل حرجا وعبئا لحلفائه الإقليميين، وهو يصبح شيئا فشيئا أقرب للسقوط، ولكنه يحتاج لمن يدفعه حتى يسقط بهدوء، ووحدها المعارضة الثورية الموحدة هي من يمكن أن تقوم بهذا الدور، ولكنها هي الأخرى غائبة عن الساحة المصرية حتى الآن!