نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتب سودرسان رغفان، يقول فيه إن النساء في الريف
اليمني لم يكن يكسبن المال، ولا يتركن بيوتهن دون إذن من أزواجهن، وهذا ما كان عليه الحال على مدى ذاكرة القرية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الأمهات والفتيات أصبحن بعد
الحرب يخرجن إلى الجبال من الفجر، ويجمعن الحطب، ويحولنه إلى فحم للبيع، ويبقى الرجال في البيت، حيث يعتنون بالأطفال، ويقومون بالطبخ والتنظيف أحيانا.
وينقل الكاتب عن عايدة أحمد شابون (33 عاما)، قولها: "أشعر بأن الحرب غيرت شخصيتي.. أشعر أنني مساوية للرجل الآن".
وتقول الصحيفة إن "الحرب تجعل الحياة أصعب، لكن في جيوب سكان أفقر بلد في الشرق الأوسط صححت الموازين الاجتماعية، بحسب ما يقول عمال الإغاثة، ولأن الحرب تقضي على الوظائف، وتجعل العديد من الرجال ينضمون للقتال، فإن هذا أدى بالكثير من النساء إلى اللجوء للعمل من أجل الحصول على لقمة عيش عائلاتهن، وفي العادة تعمل النساء في مجالات كانت تعد من اختصاص الرجال، أو أن الثقافة تعدها غير ملائمة لهن، بحسب التقاليد في المجتمع اليمني القبلي المحافظ جدا، وبعضهن يعملن في الجزارة، وأخريات يعملن في الحلاقة، وبائعات دجاج، ويتعاملن بطرق لم تكن أمهاتهن ولا جداتهن يتخيلن عملهن فيها".
ويلفت التقرير إلى أنه في منطقة كانت فيها سلطة النساء تاريخيا أقل من سلطة الرجال بكثير، فإن التغيرات منحت الكثير من النساء
اليمنيات نفوذا جديدا في محيط العائلة والمجتمع، مستدركا بأنه كان لها أثر سلبي أيضا، حيث يقول مدير مؤسسة "كير" الإنسانية وائل إبراهيم: "اكتسبت النساء سلطات أكبر لاتخاذ القرارات في البيت.. لكن كثيرا من النساء أيضا تحدثن عن نشوب صراعات في بيوتهن".
ويذكر رغفان أنه كان هناك شعور كبير بالتفاؤل قبل خمس سنوات بين النساء اليمنيات، حين شاركت الآلاف منهن في الثورة، التي كانت جزءا من الربيع العربي، وقلبت النظام السياسي للبلاد، وأنهت حكم الديكتاتور علي عبدالله صالح، الذي دام ثلاثة عقود، لافتا إلى أن النساء شغلن مناصب قيادية في تنظيم المظاهرات في طول البلاد وعرضها، وكانت توكل كرمان، التي حصلت على جائزة نوبل للسلام بالشراكة عام 2011، أكثرهن شهرة.
وتفيد الصحيفة بأنه مع حلول عام 2014 كانت النساء يحققن المزيد من الإنجازات، وكن يسعين إلى تمثيل أوسع في الحكومة ويفرضن حقوقهن، فمثلا بدأت تتراجع ظاهرة زواج البنات الصغار، وهذه التغيرات بالكاد وصلت إلى القرى النائية، مثل قرية جوبايا، حيث تحكم الثقافة والعادات، وليس القوانين الحديثة التي تحمي حقوق المرأة، منوهة إلى أن الحوثيين احتلوا في السنة التالية العاصمة صنعاء، وأخرجوا الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، ويسيطرون اليوم على شمال غرب اليمن، وتسيطر قوات هادي على مساحات من الجنوب والشرق، وقام تحالف تقوده السعودية وتدعمه أمريكا بالتدخل لصالح هادي.
وينقل التقرير عن مسؤولي الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، قولهم إن الصراع تسبب بمقتل 10 آلاف يمني، بما في ذلك مدنيون، ونزح حوالي ثلاثة ملايين عن بيوتهم، لافتا إلى أن حوالي ثلثي سكان البلد، البالغ عددهم 27 مليونا، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
ويبين الكاتب أنه منذ أيلول/ سبتمبر 2015، فإن العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك الاغتصاب والعنف المنزلي، ارتفع بنسبة 70%، بحسب مسؤولي الإغاثة، وارتفعت نسبة زواج الفتيات الصغار، بالإضافة إلى أن الصراع حرم المزيد من الفتيات والنساء من التعليم والصحة، وانتهت مشاركتهن في العمل المدني.
وتورد الصحيفة نقلا عن المستشار في سياسات الإغاثة لدى "أوكسفام أمريكا" سكوت بول، قوله: "ربما يكون أثر الحرب على حقوق المرأة ووضعها هو من أكثر تداعياتها الاجتماعية إثارة للقلق.. والهجمة على الاقتصاد اليمني ساعدت في كسر حواجز مشاركة النساء في القوة العاملة، وللأسف، فإنه تم إغلاق باب المشاركة في العملية السياسية تماما أمام المرأة"، مستدركة بأنه مع ذلك، فإن الصراع أعاد تشكيل دورهن في العائلة، حيث إنه بسبب تدمير الاقتصاد، فإن كثيرا من العائلات تحاول التكسب بأي شكل كان، وبسبب مقتل آلاف الرجال، فإن النساء تركن بمسؤولية أكبر في البيوت.
وينوه التقرير إلى أنه في قرية جوبايا، وهي قرية هادئة في شمال غرب اليمن، حيث كان يعمل الكثير من الرجال في السعودية عمالا في مواقع البناء، وفي المطاعم، وغير ذلك، فإنه مع إغلاق الحدود انتهت الفرص، وأصبح بعض الرجال يسافرون جنوبا إلى صنعاء؛ لعلهم يجدون عملا، ولم يعودوا، مشيرا إلى أن من بقوا منهم يحاولون إعالة عائلاتهم، وقد اضطروا في البداية إلى استخدام مدخراتهم، ثم اضطروا لبيع ماشيتهم.
ويقول رغفان إنه "بعد أن لم يبق أمام محمد كويت (41 عاما) خيار، فإنه اضطر لأن يطلب العون من زوجته، وقاما بعمل خطة بأن تقوم هي بجمع الحطب لتحويله إلى فحم ليبيعاه، ويسعى هو في أن يجد من يشغله عاملا، وفي الأيام التي لا يجد فيها من يشغله يقوم بمساعدتها، ويقول كويت: (لست سعيدا بهذا الترتيب، لكني مضطر له.. لا أحد يريد أن يرى زوجته تخرج وتعاني)".
ويضيف الكاتب أن "كويت يقوم أيضا بأعمال لم يقم بها سابقا، فيساعد في تنظيف البيت، وبإحضار الماء من البئر، وإن تأخرت زوجته في العودة من عملها يقوم بإعداد العشاء، ولا يزال كويت يصر على أنه (لا يزال هو من يتحكم)، لكنه يعترف بأن العلاقة تغيرت".
ويقول كويت: "في الماضي كان لزوجتي رأي في كيفية إدارة البيت.. الآن أسألها في أمور أكثر، خاصة أي شيء له علاقة بالدخل، ونوزع عبء العمل أكثر".
وتكشف الصحيفة عن أنه بحسب دراسة شاركت فيها كل من "كير" و"أوكسفام"، وغيرهما من المؤسسات الإغاثية التي تعمل في أربع من محافظات اليمن، البالغ عددها 22 محافظة، فإن تغير الأدوار هذا تسبب بصراعات أكبر بين الأزواج وزوجاتهم في بعض المجالات، مستدركة بأنه في مجالات أخرى فإن الدراسة قالت إن هناك تقديرا أكبر للأدوار التي يقوم بها كل منهما، "وشعورا بأن أدوار الجنسين تعتمد كل منها على الآخر"، وبالذات التقبل الأكبر لأن تعمل المرأة في أعمال كانت تعد في الماضي "معيبة"، مثل العمل في "الجزارة والحلاقة وبيع الدجاج".
ويورد التقرير أن شابون لم تشارك معظم حياتها في المجتمع أو العمل، وكانت قد اضطرت لترك المدرسة لتتزوج وتنجب، وتقول: "كنت أبقى في البيت وأعتني بأطفالي فقط"، لافتا إلى أنها أم لثمانية أطفال، ومثل غيرها من النساء، فإنها تلبس العباءة السوداء، وتغطي جميع جسدها ما عدا عينيها.
ويستدرك الكاتب بأن شابون هذه الأيام تذهب إلى الجبال لجمع الحطب، بعد أن تقوم بإعداد طعام الإفطار، مشيرا إلى أن زوجها حسن عبدو إبراهيم يقوم بإطعام الأطفال، ويحضر الماء، ويقوم بغسل الملابس في الوقت الذي تغيب فيه زوجته، وقال على مضض: "في البيت نحن متساويان.. ليس بيننا فرق، وليس لدي خيار".
وبحسب الصحيفة، فإنه عندما تعود شابون إلى البيت، فإن زوجها يساعدها في الحطب لتحويله إلى فحم، ويذهبان إلى السوق معا، ويبيعان كل كيس من الفحم يأخذ تصنيعه أسبوعا بمبلغ 3.50 دولار، وتقول شابون إنها تحضر ورش عمل تقيمها المؤسسات الخيرية المحلية في المناطق المجاورة، وتضيف: "أقول لزوجي إني مسافرة وهو لا يمانع"، مشيرة إلى أن زوجها يذهب معها إن وجدا جارا يعتني بالأطفال.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالقول: "يبقى السؤال: ماذا سيحصل لعلاقتهما ودورها بعد انتهاء الحرب؟، وتجيب شابون قائلة: (آمل أن أكون بجانبه في السراء والضراء)".