ما زلنا نتحدث عن
دولة القانون، ونحاول أن نفهم المعنى العملي للمصطلح، هذا المعنى الذي لم نتمكن من فهمه بسبب العصابات التي حكمت أوطاننا العربية لعشرات السنين، في عهود الانقلابات العسكرية الغاشمة.
سنحكي ثلاث قصص..
القصة الأولى: محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي رونالد ريجان
وقعت في مساء يوم الاثنين 30 آذار/ مارس 1981 خلال خروج الرئيس رونالد ريجان من فندق الهيلتون بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
كان ذلك بعد 69 يوما من فوز ريجان بالانتخابات وتوليه الرئاسة.
خرج ريجان من الفندق ليستقل الليموزين التي كانت في انتظاره، وفي تلك اللحظة قام شاب يدعى "جون هينكلي جونيور" بإطلاق 6 رصاصات من مسدسة باتجاه ريجان جميعها لم تصبه.
أصيب في الحادث السكرتير الصحفي للبيت الأبيض "جيمس برادلي" برأسه (أسفرت إصابته عن تلف في المخ وظل بقية حياته قعيدا على كرسي متحرك حتى وفاته عام 2014 عن عمر ناهز 74 عاما)، وضابط الشرطة "توماس دليلا هانتي" برقبته، و"جيري بار" من حراس الرئيس (دفع ريجان داخل الليموزين)، و"تيموثي مكارثي" حيث حمى الرئيس بجسمه فأصيب برصاصة ببطنه.
إصابة ريجان جاءت من ارتداد إحدى الرصاصات من العربة المصفحة لتخترق أسفل الذراع اليسرى لريجان ولتستقر في رئته على بعد سنتيمترات من القلب.
المضحك في الأمر أن السيد "هينكلي" أطلق الرصاص على الرئيس في محاولة لنيل إعجاب الممثلة "جودي فوستر" فحاول لفت انتباهها بهذه الكارثة.
ما الذي حدث في تلك اللحظة؟
لقد تمت السيطرة على المعتدي، فقرأت الشرطة عليه حقوقه، وأخذ إلى قسم الشرطة، دون أن يعتدى عليه خارج إطار القانون.
تم علاج الرئيس ريجان، وكانت تلك الحادثة يوم السعد بالنسبة له، فقد تمكن من فرض كثير من الأفكار والتشريعات بعد حالة تعاطف كبير من الرأي العام الأمريكي، فقرر الكونجرس أن يصوت بالموافقة على العديد من المشاريع التي لم تكن لتمر لولا محاولة الاغتيال تلك.
بالنسبة للمتهم ... بعد شهور من التحقيقات والمداولات أسفرت المحاكمة في النهاية عن براءة "هينكلي".
لقد حوكم السيد "هينكلي" محاكمة عادلة، وكانت النتيجة أن القاضي لم يحكم عليه بالإدانة بسبب جنونه، وأودع مصحة للأمراض العقلية.
في العاشر من أيلول/ سبتمبر الماضي (2016) خرج هينكلي، وقال القاضي في أمر الإفراج عنه إنه لم يعد يشكل خطورة على نفسه أو على آخرين.
هكذا تعاملت دولة القانون مع متهم بقتل رئيس الدولة، ارتكب جريمته مع سبق الإصرار والترصد أمام الملايين على الهواء مباشرة.
القصة الثانية: قصة الأسير الفلسطيني الذي اعتقلته قوات الاحتلال
صديق عزيز، أعتز بمعرفته، كان نشطا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، كان من المطلوبين حيا أو ميتا، حين عرفت إسرائيل مكانه هرب مع رفاقه، القوات جاءت لمداهمة المكان، اختبأوا في مزرعة، فما كان من جيش الاحتلال إلا أن طاردهم بطائرة (إف 16)، وتم تفجير المكان الذي اختبأوا فيه، وكانت النتيجة مقتل جميع رفاقه، ونجاة صديقي الذي حكى لي القصة، نجا بقدرة الله وحده.
يقول لي : "حين حضروا للقبض عليّ كان بإمكانهم قتلي بسهولة، ولكن الضابط يعلم أنه لو فعل ذلك فإنه غالبا سيحاسب.".
لقد تم القبض عليّ، ووضعوني في عربة الإسعاف لعلاجي، وتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية معي.
يقول لي صديقي : (إسرائيل دولة)، وأنا أقول : (إسرائيل دولة قانون).
من جرب سجون إسرائيل وسجون السلطة الفلسطينية سيقول لك عن الفارق الرهيب بين ظلم الأخ وظلم المحتل.
من جرب سجون إسرائيل والسجون الحربية أو سراديب أمن الدولة في الدول العربية يستطيع أن يحكي لك عن الفارق بين دولة القانون ... وقانون البقاء للأقذر الذي يحكم دولة الانقلابات العسكرية.
صحيح أن إسرائيل تحتل أرضنا، وتقتل شعبنا، ولكنها تحاول أن تتصرف كدولة، ولذلك تنجح في البقاء حتى الآن، ولذلك تنتصر علينا.
أما دولنا العربية فحالها لا يخفى على أحد، لقد أصبحت غالبية الدول العربية وكأنها مجرد إقطاعيات، يتحكم فيها عصابات، يحكمون الناس بقوة السلاح، إن مفهوم الدولة يتوارى خجلا أمام غالبية الدول العربية المزعومة.
القصة الثالثة قصة المتهم بقتل الرئيس السادات.
وهذه قصة لها شجون ... سوف نكملها في مقالة الأسبوع القادم بإذن الله تعالى.
عن دولة القانون (1)
للتواصل مع الكاتب:
موقع إلكتروني: www.arahman.net
بريد إلكتروني: arahman@arahman.net