تملكت الدهشة كثيرا من
المصريين من تحول المشهد فيما يخص سعر الصرف بعد تعويم
الجنيه إلى الناحية العكسية عما كانوا يتوقعونه، حين توقعوا أن يساهم انتقال تعاملات الدولار للسوق الرسمية داخل البنوك، في انخفاض سعره عما كان يتم التعامل بشركات الصرافة، والذى بلغ أقصى سعر له 18.25 جنيه قبيل التعويم، بينما تخطى السعر بالبنوك حاجز 18.50 جنيه.
وزادت الدهشة حين كان التوقع أن يهبط سعر صرف الدولار، بمجرد وصول القسط الأول من قرض صندوق النقد الدولي والبالغ 2.75 مليار دولار، وكذلك الاتفاق مع الصين على مبادلة عملات بنحو 2.6 مليار دولار، لكن ما حدث بعد وصول القسط الأول والاتفاق مع الصين كان استمرار الدولار في الصعود.
ولقد أجاب محافظ البنك المركزي على تلك المسألة بحواره الصحفي الأخير، حين قال "هناك رسالة للحكومة، إذا أردنا مستوى مختلف لسعر الصرف يجب أن نعمل على الأساسيات: الصادرات وعلى رفع مستوى السيولة، على زيادة الإيرادات، على التفكير في كيفية جذب المستثمرين سواء من خلال المشاركة بين القطاعين العام والخاص، أو من خلال تحسين بيئة الاستثمار".
وهكذا يحدد المحافظ الحل فى زيادة الموارد الدولارية حتى تستطيع مقابلة الطلب عليه، وكانت الحكومة والبنك المركزي قد بذلا جهدا فى إطار السعي لخفض الطلب، من خلال خفض الواردات، لكن النجاح كان محدودا بسبب ضعف مرونة تلك الواردات والتي يتعلق معظمها بسلع من الصعب الاستغناء عنها.
زيادة تكلفة الواردات بعد التعويم
حيث رفع التعويم تكلفة استيراد السلع الأساسية، من القمح والسكر والأرز والزيت والمنتجات البترولية وغيرها، علاوة على ارتفاع أسعار بعض تلك السلع بالأسواق الدولية مؤخرا، مما يضيف زيادة أخرى لتكلفتها ، كما حدث مع السكر والزيوت والمنتجات البترولية ، مما يعنى توقع زيادة تكلفة مجمل الواردات رغم خفض كمية بعضها.
كما قامت الجهات الرسمية مؤخرا بإبطاء تنفيذ رحلات العمرة فى محاولة لتقليل الطلب على الدولار، وتأجيل الإتفاق مع مركب ثالثة لتغيير الغاز الطبيعي المستورد.
لكن الرافد الأهم وهو زيادة الموارد مازال محاطا بالكثير من المصاعب ، فالحديث السابق عن تسبب التعويم للجنيه فى زيادة السياحة والإستثمار الأجنبى المباشر والصادرات ، كان يفتقد النظر لعوامل أخرى معاكسة ، فمازال العائق الأمنى سببا لعدم عودة السياحة الروسية ، وهو نفس السبب لتريث الإستثمارات الأجنبية أضيف عليها ارتفاع تكلفة التمويل وزيادة نسبة التضخم والحديث عن ضرائب تصاعدية.
كما تسبب تعويم الجنيه فى زيادة تكلفة المكونات المستوردة للسلع المنتجة محليا ، من مواد خام وسلع وسيطة وسلع رأسمالية ، مما زاد من تكلفة المنتجات المحلية وأضعف تنافسيتها بالأسواق الخارجية ، ولهذا سعت الحكومة لبيع أراضى ووحدات سكنية للمصريين بالخارج بالدولار ، وإصدار شهادات إيداع دولارية بفائدة عالية لكن الحصيلة لم تكن كبيرة.
الاستمرار في الاقتراض الحل الوحيد
وهكذا لم يكن هناك أمام السلطات سوى الإقتراض الخارجي لزيادة الموارد منذ بداية العام الماضي وحتى الآن، وخلال الفترة القادمة، حيث لم تكتف الحكومة بالأقساط المتبقية القادمة لقروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأفريقي، حين أشارت وزيرة التعاون الدولي لمباحثات مع جهات أوربية وغيرها للحصول على المزيد من القروض، رغم بلوغ القروض الخارجية حاليا حوالى ثلاثة أضعاف الاحتياطي.
ويظل السؤال ألم تكن الجهات الرسمية تعرف تلك الأمور وهي تأخذ قرار التعويم للجنيه؟ ومن الواضح أن السلطات كانت تراهن على الحصول نصيب كبير من الدولارات الموجودة خارج الجهاز المصرفي، وعلى قيام المصريين العاملين بالخارج ببيع دولاراتهم للبنوك، وعلى زيادة معدلات شراء الأجانب لأذون وسندات الخزانة المصرية ذات العائد المرتفع.
وتشير تصريحات مصرفيين لوجود بطء في تخلص حائزي الدولار منه للبنوك، حتى بلغت حصيلة أكبر بنكين وهما الأهلي ومصر 125 مليون دولار فقط خلال أسبوع، كما أفادت مصادر رسمية ببلوغ حصيلة التخلص من الدولار وتحويلات المصريين حتى الآن نحو 5 مليار دولار، وهو مبلغ لا يكاد يكفى واردات شهر واحد، فما بالنا بالوفاء بطلبات استيراد قديمة والوفاء بتحويلات أرباح الشركات الأجنبية ومستحقات شركات البترول المتأخرة.
أما استثمارات الأجانب فى الأذون والسندات فقد صرح نائب وزير المالية ببلوغها ما بين 700 إلى 900 مليون دولار، ثم عاد بعد ذلك بأسبوعين يقول أن حصيلة استثمار الأجانب بالأذون والسندات وتعاملات الأجانب بالبورصة المصرية قد بلغت جميعها نصف مليار دولار فقط.
وهكذا يستمر مأزق زيادة الطلب على الدولار عن المعروض منه بعد تعويم الجنيه، والنتيجة تحقيق سعر صرفه أرقاما تاريخية غير مسبوقة فاقت ما كان موجودا بشركات الصرافة قبل التعويم.