إن الاحتياج إلى
الثورة ومشروعياتها يكاد لا يختلف عليه القاصي والداني، سوى شلة المنتفعين أو المغيبين، بل امتد هذا الاحتياج وتخطى حدود
مصر إلى الوطن العربي، بل والإقليم. ولعلّي لا أتخطى حدود المنطق والعقل حين أقول إن العالم يحتاج الثورة في مصر أكثر من أي وقت مضى.
في الحلقة الأولى هذه سنتناول الشأن والاحتياج الداخلي للثورة، على أن نتبعه بالاحتياج الإقليمي ومن بعده العالمي.
قصدت أن أكتب مصطلح الثورة معرفة وليس نكرة؛ للتدليل على احتياجنا للثورة بكل ما تحمله الكلمة من معان.
التعريف أو الفهم المعاصر والأكثر حداثةً للثورة هو التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام السابق؛ لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسي نزيه وعادل، ويوفر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع. والمفهوم الدارج أو الشعبي للثورة هو الانتفاض ضد الحكم الظالم.
وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989، أو عسكرية وهي التي تسمى انقلابا، مثل الانقلابات التي سادت أمريكا اللاتينية في حقبتي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، أو حركة مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية (1954-1962).
انطلقت من إدراك الاحتياج للثورة دعوات
ثورة الغلابة في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم تحت مسمى ثورة الغلابة، اعتقدت من الوهلة الأولى أنها دعوة خالصة لوجة الله ثم الوطن تولدت في نفوس أصحابها نتيجة إدراك أننا لم نعد نملك رفاهية التنظير، فقد تخطى الأمر مرحلة الاحتياج إلى الثورة إلى الاحتياج للوطن الذي أوشك على الانهيار التام في سابقة تاريخية لم تشهدها مصر.
نعم أقول إن الدعوة مخلصة، ولكن تظل أيه دعوة ملكا لأصحابها إلى إطلاقها فمتى انطلقت انتقلت ملكيتها إلى كل المؤمنين بها والمستفيدين منها.
وفي الوقت الذي كانت فيه نخب المعارضة المخلصة متفرقة بين صراعات، وقلة منهم يريدون القيام بعمل فيه الخلاص، وللأسف يقعون تحت ضغوط المزايدات وانشغال الشباب بمعارك جانبية، واختلف الجميع بين مؤيد لدور الخارج ورافض له على الرغم من أن الثورة حاليا دون جناحي الخارج والداخل لن تطير من أقفاص السجن الكبير الذي فرضه سفاح لا يشبع من شرب دم المصريين على اختلاف توجهاتهم.
في ظل كل تلك الصراعات والمتاهات تلقفت الدعوة أجنحة مؤثرة في المشهد الداخلي، وتبنتها كل حسب توجهاتها.
تلقتها الأغلبية الساحقة من الغلابة الذين قبعوا تحت كل خطوط الفقر المعترف بها عالميا؛ آملين في منقذ يغنّي لهم لا عليهم ويعمل لهم لا لمنصبه، غير عابئين بالانقسامات السياسية، فكل ما يهمهم عيش كريم.
كما تلقفتها فصائل من دولة مبارك التي لا تزال لاعبا مهما في الحياة المصرية؛ متحدة مع جناح من مؤسسات الدولة، حيث لا يخفى على الجميع انتماء المؤسسات إلى فصائل متناحرة، فمنها من ينتمي إلى "مبارك" ومنها من غيّر جلده وبوصلة انتمائه إلى السيسي.
كل هذا، والفئة الثورية المخلصة والمتناحرة مشغولة في نزاعاتها وغائبة عن مائدة التغيير التي نُصبت بالفعل في مصر، حيث لا تملك الفئة الثورية مقعدا على مائدة التغيير ولا حتى لها حليف على المائدة يتبنى مطالبها.
كيف نتعامل مع هذه الدعوات؟ وما هي فرص النجاح ونسبتها؟.. هذا ما سوف نتناوله في الحلقه القادمة بإذن الله.