أعطى التصويت
المصري لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن، وطلب وزير الخارجية التركي من جبهة فتح الشام الانسحاب فوراً من حلب؛ الانطباع بأن ثمة تحالفات جديدة بدأت ترتسم في المنطقة، تحالفات يترتب عليها نتائج خطيرة. ويبدو الروس، والإيرانيون بشكل أقل، المستفيد الأكبر من خارطة التحالفات الجديدة.
إذ تتميز التحالفات الوليدة بأنها هشة ومدمرة للمنطقة العربية؛ لسببين رئيسين: تهديد الأمن القومي العربي من جهة، واستمرار النزاعات وحالة اللاإستقرار في البلاد العربية الناتجة عن استمرار الأنظمة الديكتاتورية، وتأجيج الصراعات الطائفية من جهة ثانية.
فيبدو واضحاً أنّ التحالف الروسي المصري قائم على دعم أمن إسرائيل في المنطقة، وعلى التوافق على ملفات اليمن والعراق وسوريا وفق الرؤية الروسية الإيرانية، أي دعم الحكومة الشرعية (الطائفية) في العراق، وتبرير الانتهاكات والجرائم بحق أهل السنة (زيارة وزير الخارجية المصري للعراق والتهنئة بالسيطرة على الفلوجة) بدعوى محاربة التطرف السني -داعش - دون النظر للتطرف الممنهج الذي تقوم به مليشيات ما يسمى "الحشد الشعبي"، ودون النظر للأسباب التي أدت لولادة التنظيم، وربما ولادة ما هو أخطر منه لاحقاً. وفي اليمن لا يدعم السيسي حكومة هادي "الشرعية"، بل يدعو للحوار السياسي المفضي لعودة الانقلابي صالح، وحلفاء إيران. وتتضح الصورة أكثر في
سوريا، فالرؤية المصرية تتطابق مع الرؤية الروسية القائمة على اعتبار كل المعارضة المسلحة إرهابية، وبالتالي ضرورة دعم الأسد في مواجهة الإرهاب.
ولا يمكن إيجاد مبرر منطقي لتحالفات مصر "السيسي" مع الروس، ولا سيما أن هذه التحالفات تُصِيبُ الأمن القومي للمشرق العربي عموماً، والخليجي خصوصاً، في مقتل. فالحكومات
الخليجية، باستثناء قطر، دعمت انقلاب السيسي بقوّة وبسخاء. لكنّ السيسي انقلب عليها. فلماذا انقلب السيسي على الخليج الداعم كما انقلب على مرسي الشرعي؟!
لا يمكن تبرير تحالف مصر مع
روسيا إلا من منظار "الخوف والرعب" الذي يعيشه الانقلابيون في مصر، فالسيسي يرى أنّ الروس وحدهم، دون سواهم، القادرون على دعمه دموياً ضد أي ثورة ضده، والإيرانيون بدرجة أقل. أما الخليجيون فلم يعد السيسي بحاجتهم. فقد رأى عجزهم وعجز أمريكا والغرب في دعم نظام مبارك، فالدعم الذي يحتاجه السيسي مستقبلاً دعم دموي ليقينه أنّ الثورة المصرية القادمة - إذا حصلت، وستحصل بحكم منطق التاريخ - ستكون دموية الطابع، باعتبار أن ردة الفعل تتناسب مع الفعل "الدموي" الذي يقوم به نظام السيسي.
أما التحالف التركي الروسي فيبدو أكثر منطقية ووضوحاً إذا شعر الأتراك بالخذلان والخديعة من العرب والغرب، وأدرك العرب متأخراً - ولاسيما بعد ابتعاد السيسي - أهمية
تركيا في مواجهة التغول والعبث الإيراني بالدول العربية. فالأتراك حققوا من تقاربهم مع روسيا، عدا المكاسب الاقتصادية، مكسبين مهمين: فقد أخذ الأتراك الضوء الأخضر في الشمال السوري، فأنهى الأتراك وجود تنظيم الدولة على حدودهم الجنوبية من جهة، وقضَوا على حلم الأكراد بإقامة كيان جغرافي متصل شمال سوريا، وغدا مطلب المنطقة الآمنة الذي ابتزت به أمريكا تركيا طويلاً دون أن تنفذه؛ واقعاً بفضل التقارب الروسي التركي.
وتنبُعُ خطورة التحالف المصري الروسي من خسران الخليج للرافعة المصرية، فطالما شكلت مصر صمام الأمان للخليج العربي في مواجهة الخطر الإيراني. فنظام مبارك - على علّاته - لم يفرّط بالأمن الخليجي، ولم يُقم أية علاقة مع إيران. أما الثورة السورية فستواجه داعماً سياسياً جديداً للأسد، وستجد روسيا تبريراً لجرائمها من قبل أكبر دولة عربية، لكن لن يكون لمصر تأثير ميداني، فلدى السيسي ما يشغله.
أمّا تأثير التحالف الروسي التركي فيبدو أكثر خطورة نظراً للقوّة التي يمتلكها الأتراك من جهة، والدور الكبير القادرين على القيام به في سوريا من جهة ثانية.
ويُخشى حقيقةً أن يُحجم التحالف الروسي التركي دور الأتراك في سوريا بما يخدم الأسد، فالروس يسعون جاهدين لحفظ مصالح تركيا مقابل تحييد الدور التركي، وبذلك تخسر الثورة السورية الداعم الأبرز. ولا شكّ أنّ انتصار الأسد انتصار لإيران، وبالتالي اكتمال الهلال الإيراني، وحصاره للخليج العربي، ولذلك تبعات لن يستطيع الخليج تحملها.
وبإمكان الخليج تدارك الأمر بإجراء مراجعة عميقة للعلاقة مع نظام السيسي، فهناك كثير من أوراق الضغط على السيسي. كما ينبغي للخليج بناء علاقة استراتيجية مع تركيا تمنع تركيا في الحد الأدنى من الذهاب بعيداً في تحالفها مع الروس، فالتحالف الروسي التركي فرضته الظروف على تركيا، كما أن التحالف المصري الروسي هش لعدم امتلاكه عمقاً وللرفض الشعبي له ولعرّابه السيسي، وقد تلعب سياسات الرئيس الأمريكي القادم دوراً في انهيار هذه التحالفات الهشة.