شهدت ثلاثة من مخيمات وسط الضفة الغربية وشمالها
اشتباكات ومواجهات متزامنة، بين مواطنين ومسلحين من جهة، وبين الأجهزة الأمنية
الفلسطينية من جهة أخرى، مساء الثلاثاء.
ووفق ما أفادت مصادر محلية من المناطق الثلاث، لـ"عربي21"، فقد أصيب مواطنان بشظايا الرصاص في
مخيم بلاطة شرق نابلس شمالي الضفة الغربية، إثر اندلاع اشتباكات بين مسلحين من المخيم، وبين الأجهزة الأمنية الفلسطينية، عقب إشعال فتيان الإطارات المطاطية في شارع القدس المحاذي.
وكان المخيم شهد اشتباكات عنيفة صباح الجمعة الماضي، أسفرت عن إصابة ستة مواطنين، أحدهم بالرصاص.
وفي مخيم جنين غرب مدينة جنين، شمالي الضفة الغربية، منع مواطنون الأجهزة الأمنية من دخول المخيم، وأعقب ذلك اندلاع مواجهات مع الأهالي، وإطلاق مسلحين النار في الهواء بكثافة.
أما في رام الله وسط الضفة الغربية، فقد شهد مخيم الأمعري جنوب المدينة مواجهات عنيفة، بعد تفريق الأجهزة الأمنية مسيرة خرجت في المخيم؛ دعما للنائب في المجلس التشريعي عن
حركة فتح، جهاد طمليه، الذي فصل من الحركة.
وكان الرئيس الفلسطيني
محمود عباس صادق، السبت الماضي، على قرار فصل طمليه من "فتح"، عملا بتوصية "لجنة مكافحة التجنح" في الحركة، بعد مشاركته في اجتماع لقيادات من الحركة في الأمعري، وصف بأنه لأنصار دحلان.
وقال عضو المجلس التشريعي عن حركة فتح، جمال الطيراوي، من مخيم بلاطة، إن الهجمة التي استهدفت بلاطة والمخيمات الأخرى، خلال الأيام الماضية، تحمل "رسائل خارجة عن المألوف"، استندت إلى قوة أمنية وعسكرية مفرطة، حين اقتحمت المخيمات بقوات كبيرة، وأصيب عدد من المواطنين، وتضررت منازلهم وممتلكاتهم.
وأدان في حديث لـ"عربي21" هذه "التصرفات"، قائلا إنها "تأتي ضمن حملة من الاستهدافات الدائمة للمخيمات، باعتبارها التجمعات الأكثر وطنية وصمودا في وجه الاحتلال.. وهذا أمر لا يمكن القبول به".
وأكد الطيراوي، الذي يعدّه مراقبون من أبرز وجوه تيار دحلان في الضفة، أن الخلاف السياسي والتنظيمي الفتحاوي الحالي "له انعكاساته على الحالة الميدانية".
وأشار إلى أن الحملة الأمنية الحالية على المخيمات "يمكن أن تصنف ضمن محاولة فرض قيادة سياسية وميدانية جديدة، وتجاوز القيادات التاريخية، عن طريق تغوّل الأمن على المؤسسات السياسية والتنظيمية والبرلمانية"، مشددا على أن "هذه الأهداف لن تتحقق".
وأضاف أن الاستهداف المستمر للمخيمات من قبل الاحتلال أولا، ثمّ الأجهزة الأمنية، "يخلق شعورا بالظلم والقهر"، متوقعا أن "تتفاقم الحالة الميدانية إذا لم تعالج بسرعة".
وقال: "إذا لم تكن هناك وقفة من اللجنة المركزية لحركة فتح، والمؤسسة السياسية، ولم يبدأ حوار حقيقي لوقف انتهاكات الأمن التي يوفَّر لها الآن غطاء سياسي، فإننا ذاهبون إلى الأسوأ".
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، سميح حمودة، إن التوتر الأخير في مخيمات الضفة لا يمكن أن يفسر إلا باعتباره انعكاسا للصراع السياسي الجاري حاليا بين الرئيس محمود عباس، والقيادي المفصول من "فتح"
محمد دحلان.
وأضاف لـ"عربي21" أن الخلافات العميقة بين الرجلين وتيارَيهما "لم تحل، ما أدى إلى وصول الأحداث إلى هذه النقطة المتأزمة ميدانيا، لا سيما مع سعي الرئيس عباس إلى شطب دحلان وأنصاره، وإنهائهم تماما، انطلاقا من مبرراته ورؤيته الخاصة".
وبيّن حمودة أن "دحلان شخصية مشاغبة بطبيعته، ويريد أن يظل متواجدا في الساحة، آملا في تغير الظروف لمصلحته".
وتوقع ألّا تتطور الأحداث الميدانية بشكل كبير في الضفة ومخيماتها؛ "لأن دحلان وتياره لا يملكون القوة الميدانية التي تكفي لمواجهة السلطة وأجهزتها الأمنية"، إضافة إلى ارتباطه بـ"قوى لا يرضى عنها الشعب الفلسطيني"، وفق قوله.
واستبعد حمودة أن "يشكل ارتباط دحلان بهذه القوى الإقليمية قوة حقيقية، أو فرقا لمصلحته على الأرض".
وفي المقابل، أرجع المحلل السياسي، أحمد رفيق عوض، أسباب التوتر في المخيمات إلى "الشعور العميق لدى المخيمات بالظلم والتهميش والإقصاء، إضافة إلى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية القديمة، من فقر وبطالة واكتظاظ، ما جعل المخيم مكانا سريع الغضب والتحسس".
وقال لـ"عربي21" إن التحليلات التي تختصر المشكلة في دحلان "تقزّمها وتبسّطها"، مستدلا على ذلك بـ"وجود التوترات قبل أن يتحول دحلان إلى تيار له أجندة خاصة".
ودعا عوض إلى تبني استراتيجية طويلة الأمد "تعتمد على حل المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العميقة في المخيمات، ومنح سكانه مساحة من المشاركة، ليكون جزءا من المشهد الفلسطيني".