شنت إسرائيل في الأيام الفائتة سلسلة من الغارات على قطاع غزة هي الأعنف منذ "العصف المأكول" عام 2014، في ظل استمرار الطائرات الحارقة التي ترسلها حماس لمستوطنات الغلاف ردا على الإرهاب والحصار الإسرائيليين.
من الواضح أن إسرائيل تريد ممارسة الضغوط على حماس للقبول بصفقة تهدئة طويلة الأمد؛ تريدها إدارة ترامب وعدد من الدول العربية لأهداف مختلفة. وفي هذا السياق، جاءت الخطوة المنسقة بين إسرائيل بإغلاق معبر كرم أبو سالم للبضائع وخطوة مصر بإغلاق معبر رفح!
إسرائيل تريد ممارسة الضغوط على حماس للقبول بصفقة تهدئة طويلة الأمد؛ تريدها إدارة ترامب وعدد من الدول العربية لأهداف مختلفة
تشعر حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية بزعامة نتنياهو بالحرج الشديد لعدم قدرتها على تحقيق الأمن لمستوطنات غلاف غزة من الطائرات الورقية الحارقة لحماس، فلا هي قادرة على منعها بالتصعيد المحسوب ضد مواقع حماس العسكرية التي تطال المدنينن أيضا، ولا هي قادرة على القيام بتصعيد كبير قد يجرها إلى حرب لا تريدها هي أو حماس لنتائجها السلبية على الطرفين. وتبرز في هذا السياق تصريحات كبار قادة الجيش التي تحذر من اندلاع الحرب، خصوصا إذا تم التوسع في الأهداف التي يقصفها الاحتلال، بما في ذلك استهداف مطلقي الطائرات الورقية.
أزمة العدو
يبدو أن التصعيد الإسرائيلي التدريجي ضد حماس هذه المرة لم يؤت أكله، فاستمرت الصواريخ في إمطار المستوطنات، وألجأت المستوطنين إلى الملاجئ، وفشلت منظومة القبة الحديدية في التصدي لمعظم صواريخ المقاومة، واستمرت معها احتجاجات المستوطنين ضد حكومة نتنياهو واتهامها بالفشل في التصدي لحماس. وإثر ذلك، كانت إغلاقات المعابر وقبلها اتفاقات التهدئة بين الطرفين بجهود مصرية.
في ظل استمرار الطائرات الحارقة، تزداد أزمة حكومة نتنياهو الداخلية، وتجعلها تفكر جديا في محاولة التوصل لاتفاق تهدئة طويلة الأمد، وتخفيف الحصار عن غزة
وفي ظل استمرار الطائرات الحارقة، تزداد أزمة حكومة نتنياهو الداخلية، وتجعلها تفكر جديا في محاولة التوصل لاتفاق تهدئة طويلة الأمد، وتخفيف الحصار عن غزة، وتقديم تنازلات تتعلق بالمطار والميناء.
صفقة أم تهدئة ميدانية
ولكن هل يتم ذلك في ظل ظل صفقة أشمل تمهد لنجاح صفقة القرن؟ أم يعجل ذلك بصفقة جديدة محدودة؟
بلا شك، إسرائيل ووراءها أمريكا وبدعم من بعض الدول العربية، تفضلان صفقة تمهد لصفقة القرن، إلا أن هذا يعتمد أساسا على نجاح ترامب في تسويق الخطة بين حلفائه والدول العربية. ولا يبدو ترامب مؤهلا لهذا الدور، للأسباب المهمة التالية:
لا يبدو أن هذه الصفقة مؤهلة للنجاح في ترتيب تهدئة في غزة، وأن التصعيد الإسرائيلي ضد حماس لا يتوقع أن يدفعها لتقديم تنازلات سياسية
1- أنه لا يزال يحاول ترتيب صيغة نهائية للصفقة في ظل مواقف الأطراف العربية التي قام مبعوثاه كوشنر وغريبلات بجولة عليها؛ لم تسفر حتى الآن عن تحقيق اختراق على هذا الصعيد، وسط معارضة مفترضة للرئيس الفلسطيني محمود عباس والأردن؛ الذي تحدثت أنباء غير مؤكدة عن تليين موقفه مقابل ضمان السيادة على القدس له.
2- أن الاتحاد الأوروبي (وحتى روسيا ولا الصين) لم يعطياه بعد تأكيدا على الصفقة في ظل العلاقة المتوترة معه، في ظل التصريحات الأخيرة لترامب عن اعتبار الاتحاد الأوروبي والصين عدوا لأمريكا وتصعيده ضد ألمانيا، زعيمة هذا الاتحاد بعد انسحاب بريطانيا منه، هذا فضلا عن أن أوروبا لا تريد توتير المنطقة التي لها فيها مصالح استراتيجية بمبادرات قد تسعّر الصراع وتؤثر سلبا على مصالحها هناك، حيث إن هذه الدول تفضل حلا متفاوضا عليه يضمن قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية وتفكيك المستوطنات وحل قضية اللاجئين.
3- الوضع المهزوز لترامب في بلاده بعد التحقيقات حول دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين له في الانتخابات الرئاسية.
4- المعارضة الشعبية في المنطقة لهذه الصفقة، ورفض حماس لها وسعيها الدؤوب لإفشالها.
ولذلك لا يبدو أن هذه الصفقة مؤهلة للنجاح في ترتيب تهدئة في غزة، وأن التصعيد الإسرائيلي ضد حماس لا يتوقع أن يدفعها لتقديم تنازلات سياسية بهذا الخصوص.
التهدئة بين النجاح والفشل
أما فرصة نجاح تهدئة محدودة غير مرتبطة بصفقة القرن فتظل قائمة، فإسرائيل مستعدة للقبول بها طالما أنها تؤمن الهدوء لمستوطنيها المفزوعين، وربما تهيئ الفرصة لإنجاز صفقة لتبادل الأسرى مع حماس وتهيئ الأرضية بعد ذلك لتطبيق صفقة القرن بدءا من غزة!
خيارات حماس ليست سهلة ويدفعها ذلك للسير على خط رفيع من التوازنات تحكمها المحافظة على المقاومة مع التسهيل على الغزيين وعدم دفعهم للثورة عليها بسبب استمرار الحصار
بعد 100 يوم على مسيرة العودة.. الحراك إلى أين؟