الحرب تعني اختبار القدرات لمواجهة المخاطر التي تريد اقتلاعك نهائيا من الوجود، فكلما كان استعدادك عاليا للتصدي للخصوم كانت فرص انتصارك كبيرة، المملكة بلد محوري ومهم في الصراع الإقليمي والدولي، وموقفها دائما ما يكون مرجحا للكفة التي تميل لها، في السابق كانت المملكة تواجه التحديات داخل منظومة تحالف دولية حقق لها هذا الشيء بعض الاستقرار، وفتح عليها جانبا آخر من التحديات، أما اليوم فالمملكة تعمل رأسا في قيادة تحالف إسلامي وعربي لمواجهة المخاطر الإقليمية، قيادتها هذه ليس مرحبا بها حتى من بعض حلفائها السابقين، لاعتبارات حضارية في الدرجة الأولى تتعلق بمستقبل الإسلام في العالم.
قوة المملكة الواضحة للعالم روحية واقتصادية، وغير ذلك من الجوانب مخفية! فالدين والبترول هما ذراعا القوة للمملكة، نترك حرب البترول، ونتحدث عن الدين بسبب ما أثاره مؤتمر غروزني الذي استبعدت المملكة من حضوره عن عمد، فالعالم لا يتحرك نحو أهدافه صدفة أو يبني مشاريعه الاستراتيجية بحسن نية، لذا ممكن أن يكون هذا المؤتمر جزءا من معاقبة المملكة ثقافيا لا لخطأ ارتكبته، بل لكي تكون هي الخصم الذي توجه له التهم، وإن استبعاد المملكة من أهل السنة المقصود به أن تكون هناك سنة صوفية وأشعرية تواجه السنة السلفية، وهذا دنس ديني وخبث سياسي، للقضاء على مدارس الفقه الإسلامي المتعددة باجتهاداتها، برز من خلال هذا المؤتمر المشؤوم عدة وجوه كانوا زبائن دائمين على موائد المملكة، وهؤلاء يعرفون جيدا مدى الجهد الكبير الذي بذلته حكومة المملكة لتقريب وجهات النظر بين الأديان والثقافات المختلفة، ومن ضمن هذه الجهود مركز الملك عبدالله لحوار الأديان في فيينا، الذي لم يستثنِ أي ثقافة من الحوار وقدم مذهب المملكة وثقافتها على طاولة الحوار، ليعارضها من يعارضها ويتفق معها من يتفق، في مبادرة غير مسبوقة في التاريخ الإنساني، فبعد هذا الجهد الكبير يأتي من يريد أن يقلب الطاولة على السعوديين اعتقادا منه بأن المملكة فقدت أوراقها المهمة، والعالم اتجه نحو الجهة التي تريد معاقبة المملكة حضاريا.
المملكة اليوم مشكلتها الأولى من محيطها الضعيف وخاصة الدول التي فقدت قوتها وتسعى لإضعاف قوة المملكة، وعلماء الدين الذين باعوا عمائمهم للسلطة السياسية المتورطة بضعفها، فالدول الضعيفة والعلماء المنافقون ليسوا خصوما للمملكة، بل هم خصوم لأنفسهم، فلو دعت المملكة لمؤتمر لوجدتهم الأكثر حرصا على الحضور، لذا علينا أن نؤكد ان قوة المملكة تكمن بأن لها تاريخا مشرفا ومقدسا وشعبا أصيلا في حضارته.
الحرب الثقافية الموجهة للمملكة تحتاج لأدوات ثقافية لمواجهتها، ونحن نملك الأدوات ونحتاج لمبادرات جديدة لإنتاج قوة ثقافية تميزنا عن خصومنا بشكل حضاري وإنساني، ولو رجعنا لمبادرة المملكة في تأسيس مركز حوار الأديان، لعرفنا حرص هذا البلد على السلام العالمي وعرفنا أكثر مدى تنكر الخصوم لهذا الدور الحضاري، وعلى هذا، فعلى السعوديين أن يتمسكوا بدورهم الحضاري في حوار المختلفين عنهم حوارا ثقافيا إنسانيا، كجزء من دور بلدهم المهم في حل الأزمات وفي الجزء الآخر يمتلكون سلاحهم الثقافي لمواجهة خصومهم، ولعل تفعيل مركز الملك عبدالله لحوار الأديان كمؤسسة حضارية تخدم كل العالم بات ضروريا بهذا التوقيت، ولكن كيف؟ أولا يجب نقل هذا المركز للمملكة واختيار موقع تاريخي يحمل الصبغة الإنسانية ليكون مقرا له، مثل مدائن صالح، وثانيا يجب أن تتحرك النخب الثقافية السعودية للعمل على إنجاح أعمال المركز في السعودية، فإن لم نصدر خياراتنا الثقافية الإنسانية للعالم، سوف يصدر لنا خبثاء العالم أشكالا جديدة وملوثة لديننا الإسلامي. إن نجحنا في ذلك تعرف العالم على قوة ثالثة للمملكة وهي قوة شعبها، فرصة الشعب السعودي كبيرة اليوم، ونتمنى أن يغتنمها، فرض حوار الكراهية الذي يريد أن يقسم أهل السنة، لا يكون إلا من خلال حوار يجمع أهل أرض النبي عليه السلام بكل بني آدم عليه السلام.
الرياض السعودية