النجاح السياسي الإيراني الذي شهدناه في المفاوضات مع الدول الغربية حول الاتفاق النووي، التي انتهت بطي ملف العقوبات على طهران نهائيا وليس مؤقتا كما تدعي واشنطن، يؤكد أننا نعيش في عصر الخرافة، فعالم العجائب لم تعد تعنيه الحقائق ولا العلم شيئا، فإن تتبعت مبررات قبول طهران كدولة تستطيع أن تتعايش حضاريا وإنسانيا مع المجتمع الدولي، لن تجد بتلك الحجج غير الخرافات والأوهام، من خرافة أن طهران تدعم الأمن في العراق، إلى محاربتها الإرهاب في سوريا، إلى ما يسمى دعمها المقاومة في لبنان أمام العدو الصهيوني، فإذا محونا عن تلك المقولات زخارفها السياسية الكاذبة فسوف نراها جرائم ضد الإنسانية والأديان والحضارة، جرائم فتتت الشعوب العربية إلى مذاهب متناحرة، فأي بعد إنساني احترمه الغرب في السياسة الإيرانية؟ الإجابة: إنها تستطيع أن تخلق من الخرافات حقائق تخرج منها مصالح للغرب.
وأكثر ما يثبت أننا في زمن الخرافة، انتشار داعش الخرافي في كل بلاد الدنيا وركض جميع جيوش العالم وراءه، دون أن ينال من قوته الفعلية شيئا، وربما في النهاية يتوصل العالم إلى خرافة الاعتراف بدولة داعش ويعترف أن داعش يمثل أيديولوجية إسلامية، يعتنقها الكثير من المسلمين وعلى العالم الإقرار بذلك، بعد أن يعلن أنه لم يكن في السابق يعرف كيف يتحاور مع داعش، أو لم يكن لديه خطة لتحويل داعش من قوة إرهابية إلى قوة سياسية مدنية، لها طابع مختلف نتيجة لاتباعها عقيدة مختلفة عن الحضارة الإنسانية، خرافة داعش وإيران مفيدة جدا لمعرفة الأسلوب العالمي في صناعة الخرافة وإدارتها، كيف ذلك؟
الخرافة السياسية تعتمد بالأساس على الشعوب بعيدا عن الحكومات، فالحوار يقوم بالأساس مع الشعوب وليس الحكومات لخلق واقع خرافي يصعب السيطرة عليه، فإبعاد الحكومات عن هذا الواقع أمر ضروري لإنجاح الخرافة، لو تمثلنا هذا الكلام على سياسة طهران لوجدناها تقوم على عقد خرافي مع الشعوب العربية، عقد خرافة المقاومة البعيد عن الحكومات، وخرافة دعم رجال الدين المعارضين للحكومات، تعتمد على الثوري والديني، لإنجاح مشروعها الخرافي، فدون الخرافة لا يمكن أن تتقدم خطوة واحدة، أبعاد درامية وسينمائية تصنع التشويق وتغلفه بكم هائل من المخاطر، هذه الصناعة السينمائية تعجب الغرب، وخاصة الولايات المتحدة التي نشأت عاطفيا وعقليا على أفلام هوليود، فحجز مقعد رئيسي للفرجة في هذه السينما ليس عملا عاديا، بل مغامرة مغرية جدا بالحضور، فهذه الصناعة الدرامية تثقف الضمائر لتتعايش إنسانيا مع هذه الأوهام، فالفرجة على قتل السنة في العراق على يد المتطرفين من الحشد الشعبي، لا تستدعي إرادة الاعتراض والتصدي لهذه الأعمال الوحشية، بل عملية تطهير أخلاقي يغري على متابعة مشاهد قتل الأشرار المحتملين، الذين صنعتهم الخرافة بأشكال متطرفة، ليكون نحر الشر وقتله عملا معروضا على شاشات سينما الواقع، فالشعب العربي متى ما تخلص من حكوماته تحول إلى أشرار، تحبسهم كاميرات مخرج إيراني، ثم تطلقهم كمشاهد مروعة إلى العالم.
عن صحيفة الرياض السعودية