نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن تحول مناطق الشمال الغربي السوري، وتحديدا في
حلب والمناطق المحيطة بها، إلى مسرح قتال عنيف بين القوات النظامية والثوار. وأشارت إلى أن مئات الآلاف من المدنيين يعانون من نقائص عديدة. كما باتت التفجيرات تنظم وتيرة الحياة اليومية في هذه المدينة؛ قلب
الصراع السوري.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن شابة سورية تدعى جودي، وتبلغ من العمر28 سنة، ذهبت لزيارة عائلتها في غرب مدينة حلب، التي تعد بين 1 و1.5 مليون نسمة والخاضعة لسيطرة القوات الموالية لنظام الأسد.
وكانت جودي قد غادرت حلب إلى لبنان قبل وقت قصير من استعادة المعارضة السورية السيطرة على طريق الراموسة؛ المدخل الرئيسي إلى المناطق الغربية لمدينة حلب إلى حدود 6 آب/ أغسطس الجاري.
ونقلت الصحيفة تصريحات هذه الشابة المتعلقة بصعوبة الأوضاع التي تشهدها حلب، والتي قالت فيها إنه:"عندما وصلت سيارتنا إلى هذا المفترق، اضطررنا إلى الاختفاء لتجنب نيران القناصة. فقد ازدادت شدة الحرب منذ نهاية شهر رمضان، أي في أوائل شهر تموز/ يوليو. وكانت عائلتي قد عاشت هذه الأحداث لحظة بلحظة".
وأضافت أنه "في غرب حلب، أصبحت الحواجز إجراء "عاديا". كما أصبحت قوات الجيش النظامي تقوم بعمليات تفتيش يومية في المنازل. أعتقد أنهم يبحثون عن شبان يقحمونهم بالقوة في صفوف الجيش النظامي. فالعائلات الحلبية لا تريد لأبنائها الانضمام إلى الجيش، لأنها لا تريد لهم الموت".
وأشارت الصحيفة إلى أن المواطنين في حلب يعانون من قلق دائم بخصوص سلامة أقربائهم، كما أنهم في حالة تأهب دائم لسماع أخبار أو حوادث مفجعة.
وعبرت جودي عن ألمها بخصوص الضغط المفروض على سكان حلب قائلة: "يتم استنفاد صبر المواطنين عن طريق حرمانهم من الماء والكهرباء، وممارسة ضغوطات على أسرهم، وأيضا من خلال الترويج لشكوك حول استمرار الحرب مدة طويلة لا يُعرف أجل انتهائها".
"ومن المفارقات، أنه على الرغم من استهداف عدد من المقاهي الشعبية، فإن الرجال لا زالوا يقصدونها لقضاء بعض الوقت هناك. ويمكنك سماع الطائرات التي تقصف الجزء الآخر من حلب ليلا. فقد تعودنا سماع صوت الطائرات التي تقصف حلب والتفجيرات التي تسببها سواء الصواريخ أو قذائف الهاون ... كما صرنا نستطيع معرفة مكان سقوطها. ومنذ سقوط قذيفتين على سطح بيت جدي وجدتي، أصبحا لا يتأثران بأي حدث مهما كان خطرا".
وأضافت الصحيفة أن التفجيرات أصبحت واقع الحياة اليومية في مدينة حلب، حيث قال "بكري الزين"، البالغ من العمر 28 سنة؛ وهو مدير مركز اجتماعي يقع شرق المدينة ويخضع لسيطرة الثوار السوريين، متحدثا عن العنف اليومي الذي يعاني منه سكان المنطقة: " منذ أيام قليلة، انفجرت قنبلة بالقرب من منزلي في منتصف الليل تقريبا. فخرجت لإنقاذ الجرحى، ثم ذهبت لقضاء الليلة عند بعض الأصدقاء لأني كنت غير قادر على إغماض جفوني. فقد كان صوت الانفجار يطاردني. في اليوم التالي، عدت إلى منزلي لمعرفة مدى الضرر الذي لحق به. وساعدني عدد من الجيران الفقراء على إزالة الأنقاض".
وشددت الصحيفة أنه منذ كسر المعارضة السورية الحصار الذي فرضه النظام على أحياء حلب، بتاريخ 6 آب/ أغسطس الحالي، تضاعفت شدة
القصف الجوي على المدينة.
ودفع ذلك بالعديد من المدنيين إلى الاختباء في الملاجئ وفي الطوابق السفلية من منازلهم، في حين فرت عائلات أخرى إلى ريف إدلب، معقل المعارضة.
ويلفت السيد الزين إلى أن الطائرات النظامية والروسية تقصف أيضا هذه المنطقة، إلا أنها لا تستهدف أحياءها السكنية. كما أن بعض السكان غادروها متوقعين اشتداد القتال فيها في الفترة القادمة، علما أن منفذ الخروج منها، عبر طريق الراموسة، ليس آمنا.
وانقلبت الحياة اليومية في حلب رأسا على عقب منذ اندلاع الصراع السوري فيها، وخاصة مع تدخل أطراف خارجية مثل روسيا وتنظيم الدولة. وتعاني المنطقة من نقص في الإمدادات الغذائية على الرغم من وصول منتجات طازجة إليها. وإلى كل هذه الصعوبات، تضاف "عشرات نقاط التفتيش" والدوريات العسكرية الليلية في الأحياء الحلبية.
وقالت الصحيفة إن بكري الزين هرب من منطقة في غربي حلب، في نهاية عام 2012، خوفا من أن يلقى القبض عليه بصفته ناشطا مناهضا لنظام للأسد. وذكر أنه لا يزال على تواصل مع عائلته التي لم تغادر.
وبخصوص احتمال تحسن الأوضاع في حلب، قال الزين بأنه لا زال مقتنعا بأن جبهة فتح الشام؛ طرف رئيسي في الإنجازات الأخيرة التي حققتها المعارضة، يمكن أن تكون مختلفة عما كانت عليه جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أنه إذا نجح نظام الأسد في استعادة السيطرة على شرق حلب، فإن ذلك سيؤدي حتما إلى حركة نزوح جماعي جديدة باتجاه المناطق التي تسيطر عليها المعارضة أو إلى خارج حدود الوطن. وعلى الرغم من أن هذا الاحتمال بعيد بعض الشيء، إلا أن إمكانية تصاعد موجات العنف واردة جدا.
الصحيفة: لوموند
الكاتب: لاورا ستيفان