وفقا لموقع وزارة الخارجية الفرنسية، فإن شعار "الحرية والمساواة والأخوة"، الموروث عن عصر التنوير، تم رفعه أول مرة إبّان الثورة الفرنسية، ورغم تعرض هذا الشعار للطعن، فإنه فرض نفسه في النهاية في ظل الجمهورية الثالثة، وأدرِج في دستور عام 1958، وهو يمثل اليوم جزءا من التراث الوطني للدولة الفرنسية.
لكن يبدو أن الدولة الفرنسية ترى أن الحرية والمساواة والأخوة تتعلق فقط بما يتفق فقط بالعادات والتقاليد العلمانية للفرنسيين. أما إذا ظهر ما يخالف ذلك، فهو لا يعدّ جزءا من هذه القيم، خاصة إذا تعلق الأمر برمز من رموز الإسلام كالحجاب أو النقاب، حيث تصبح تلك المبادئ عدوا لفرنسا والفرنسيين، ويجب مواجهتها بكل شدة.
ولذا؛ قامت فرنسا منذ سنوات بإصدار القوانين التي تجرم ارتداء النقاب، باعتباره مجافيا للحرية المزعومة التي تتبناها الدولة العلمانية. وأصبحت كل امرأة تلبس النقاب معرضة للحبس أو دفع غرامة مالية في أحسن الأحوال إذا أصرت على ارتداء ما تريده من ثياب تستر بها جسدها.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سعت فرنسا، رائدة الحرية المزعومة، إلى حظر ارتداء ثوب البحر الذي يغطي جسد المرأة كله، والمسمى "البوركيني"، حيث أعلن عمدة مدينة كان الفرنسية هذا الحظر في منتجع المدينة، قائلا إنه لا يحترم "الأخلاق الحميدة والعلمانية".
ويظهر التناقض الفاضح في تصريحات المسؤول الفرنسي الذي يشير إلى أن هذا اللباس لا يتفق أو لا يحترم الأخلاق الحميدة، وكأن تعريف تلك الأخلاق الحميدة في قاموس الدولة الفرنسية يعني السفور، وأن تخلع المرأة ملابسها، لتظهر كل مفاتن جسدها، حتى يمكن أن تحصل على صفة صاحبة الأخلاق الحميدة. أما أن تستر بدنها فهي إذن صاحبة أخلاق سيئة -وربما فاجرة- وجبت محاكمتها. هكذا إذن ترى الدولة الفرنسية رائدة الحرية مواصفات الأخلاق الحميدة.
لكن حتى يكون الرجل صادقا مع نفسه، فقد أضاف إلى أسباب الحظر أن هناك أسبابا أمنية دفعته إلى ذلك، حيث يربط بين ما تتعرض له فرنسا من هجمات إرهابية وبين هذا اللباس، مشيرا إلى أنه يمكن أن يؤدي إلى مخاطر اضطراب النظام العام. ولا أدري كيف يمكن لهذا اللباس دون غيره أن يؤدي إلى اضطراب النظام العام. ولماذا لا يؤدي لبس المرأة الفرنسية العاري إلى اضطراب الأمن العام.
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا تقوم السلطات الفرنسية بفرض زي بعينه على كل جموع الشعب الفرنسي؛ من أجل الحفاظ على النظام العام ومنع الإرهابيين من استغلال هذا الأمر، على اعتبار أن اللباس يعبر عن ولاء قطاع من الشعب الفرنسي للإرهاب، وهو يقصد طبعا الإسلام.
إن هذه التبريرات السطحية والساذجة توفر مزيدا من الأدلة على أن الدولة الفرنسية تحارب الإسلام في رموزه؛ خشية انتشارها بين الفرنسيين، والقضاء على ما تعتقد أنه النمط الثقافي العلماني للمجتمع الفرنسي.
لكنها وهي في طريقها إلى تحقيق ذلك تضرب بعرض الحائط كل القيم التي ادعت أنها تمثل الروح الفرنسية، التي ظهرت بعد الثورة الفرنسية، وأهمها قيم الحرية والمساواة والأخوة. وهو ما يعني تمزيق وحدة وأخوة المجتمع الفرنسي، وإعطاء الفرصة للإرهابيين لاستغلال هذا الأمر بالفعل في توجيه ضرباتهم.
الشرق القطرية