من المؤكد أن المائة يوم الماضية سيقف التاريخ أمامها طويلا ليرصد تلك الأحداث التي وقعت فيها والتي لم يسبق أن شهدتها
مصر طوال تاريخها المديد، وليؤكد في نهايتها أنه كانت فيها سلطة حاكمة لم يكن لها هدف سوى إدخال مصر في أتون حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس من خلال محاولة إقصاء فصيل سياسي كامل ليس فقط عن السلطة التي وصل إليها بعملية انتخابية شهد العالم كله بنزاهتها ولكن أيضا لإقصائه عن الحياة السياسية بأكملها، حيث أدركت هذه السلطة أن الفصيل الذي تمثله لا يمكن أن يفوز بأي انتخابات ديمقراطية.لا يمكن الحديث طوال المائة يوم هذه عن مدى تحقق الاستقرار السياسي من عدمه، لأن السلطة الحاكمة لم تكن تسعى لذلك بل لم تكن راغبة فيه أصلا، إلا إذا جاء على جثة هذا الفصيل السياسي الذي سعت لإقصائه بالقوة المسلحة التي تملكها، من خلال ارتكاب المجازر المتتالية والتي راح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى، فضلا عن عشرات آلاف المعتقلين.لم تخف تلك السلطة نيتها تلك حتى في تصريحاتها الدبلوماسية بل سعت إلى التأكيد عليها من خلال القول إن السماح لمشاركة التيار الإسلامي في الحياة السياسية مرهون بقبوله بنتائج
الانقلاب العسكري الذي أنهى السلطة المنتخبة التي كان يمثلها هذا التيار وأتى بهذه السلطة.واستخدمت آلتها الإعلامية الجبارة في تبرير ما تقوم به من جرائم ضد هذا التيار ومن يؤيده من أبناء الشعب المصري، في نفس الوقت الذي عملت فيه على تشويهه بالتأكيد على أن تلك الجرائم هي في إطار الحرب ضد الإرهاب حتى تلقى قبولا دوليا.لكن رغم هذا زادت عزلتها الدولية كما زادت عزلتها المحلية من خلال تزايد المؤيدين للشرعية والذي ظهر في أوضح صوره في التظاهرات التي شهدتها المدن المصرية في ذكرى نصر أكتوبر، حيث خرج عشرات الملايين الذين يعلنون رفضهم لهذا الانقلاب.لقد جاءت هذه التظاهرات التي لم يتوقعها أحد حتى من المناصرين للشرعية لتؤكد على أن الانقلاب فشل في تحقيق أي من أهدافه.فقد فشل في توسيع نطاق مؤيديه حيث تقلص هذا النطاق إلى درجة كبيرة جدا ظهرت في حضور مئات فقط للاحتفالات التي أعلن عنها بمناسبة ذكرى أكتوبر في ميدان التحرير.كما فشل في محاصرة مؤيدي الشرعية، فرغم المجازر التي ارتكبها بحقهم إلا أن عددهم ظل في تزايد ملحوظ يوما بعد يوم، حتى وصل إلى عشرات الملايين في 6 أكتوبر.كما فشل في الحصول على تنازل الرئيس مرسي عن السلطة من أجل إكساب الانقلاب للشرعية التي يفتقدها، وحتى محاولاته الحثيثة لبناء مسار سياسي بديل فشل بشكل كبير. فلم يستطع تشكيل حكومة توافقية وكذلك الأمر بالنسبة للجنة تعديل الدستور التي هيمن عليها اتجاه واحد مع إقصاء الاتجاه الآخر.هذا الفشل الذريع الذي حصده الانقلاب يؤكد أنه في طريقه للاندحار تحت ضغط مؤيدي الشرعية الذين يصرون على الاستمرار حتى عودة هذه الشرعية ممثلة في الرئيس مرسي والبرلمان المنتخب والدستور المستفتى عليه.
(عن الشرق القطرية)