نشرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية مقالا للصحافي بيتر أوبورن، تحدث فيه عن نتائج
الاستفتاء البريطاني حول البقاء في
الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، الذي فاز فيه معسكر الخروج.
ويقول الكاتب: "كانت هناك ثورتان ديمقراطيتان عظيمتان في
بريطانيا، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ الأولى في الانتخابات العامة عام 1945، عندما فاز حزب العمال، تحت زعامة كليمنت أتلي، وقام بهزيمة المؤسسة البريطانية القديمة، وعبد الطريق أمام مرحلة من الديمقراطية الاجتماعية، أما الثانية فهي اليوم، فكما تمت هزيمة المؤسسة القديمة في عام 1945، فإننا شاهدنا ثورة شعبية ضد الطبقة السياسية الفاسدة".
ويضيف أوبورن: "لا يزال الساسة في ويستمنستر لا يفهمون طبيعة هذه الثورة بشكل جيد، حيث تم التعامل مع النتيجة برعب واحتقار، فهي تعبر عن ثورة البريطانيين العاديين ضد الطبقة السياسية، التي تريد كل شيء، والتي أعطت لهم (الأربعاء الأسود) وحرب العراق والانهيار المالي عام 2008، وهي ثورة قامت بها بالضرورة الأرياف ضد لندن، والفقراء ضد الأغنياء، ومن المحتمل أن نشاهد تغيرات زلزالية في النظام السياسي البريطاني، الذي ينهار، وستنتشر الآثار بعيدا عن سواحلنا".
ويتابع الكاتب قائلا إن "حزب الاستقلال حقق هدفه بالخروج من أوروبا، ولم يعد لديه هدف، وسيعود معظم ناشطيه إلى حزب المحافظين، الذي سيقوده كل من بوريس جونسون ومايكل غوف، وسترفض نسبة كبيرة من حزب المحافظين قيادة بوريس جونسون، وفي الوقت ذاته هناك حركة ناشطة من أجل التخلص من زعيم حزب العمال جيرمي كوربين، ومع أن كوربين وجماعته من اليسار سيعيدان السيطرة على آلة الحزب، إلا أن غالبية النواب ستنشق وتعلن عن جماعة متمردة في البرلمان، وأتوقع أن يندمج الجناح اليميني في حزب العمال مع الجناح التحديثي في حزب المحافظين، وسيكونان بشكل فعال حزبا سياسيا جديدا، وسيقاتلان بشراسة لإعادة الأمر الواقع في بريطانيا/
كاميرون، الذي مزق إلى قطع يوم الخميس".
ويشير أوبورن في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الحزب الجديد، الذي قاتل بطريقة غير مبدئية في حملة للبقاء في أوروبا، وكان مدعوما من القطاع المالي؛ لنشر الذعر في صفوف البريطانيين، سيحاول التخلي عن الخروج من أوروبا.
ويرى الكاتب أنه "في هذه الظروف، فإنه من غير المحتمل أن يكون جونسون قادرا على قيادة أغلبية في البرلمان، وعلى الرغم من القانون الذي يتحدث عن فترة محددة في البرلمان، التي تعني أنه يمكن الدعوة لعقد انتخابات في ظروف استثنائية في العام المقبل، وبحلول شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث دعمت نسبة 40% من الناخبين العماليين حملة الخروج من أوروبا، وأتوقع أن يمد رئيس الوزراء جونسون يده إلى كوربين؛ من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهناك مرشحون مناسبون في حزب العمال لتولي مناصب وزارية بارزة، بينهم دعاة الخروج مثل البرلمانية غيسلا ستيورات المؤيدة للخروج، والنائب المخضرم فرانك فيلد".
ويجد أوبورن أنه "من أجل الديمقراطية يجب أن يكون حزب العمال ممثلا في مرحلة ما بعد الخروج والتفاوض مع بروكسل، ويجب أن تكرس الحكومة نفسها من أجل تأمين موقع بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي، ويحب منح موقع في الحكومة لنايجل فاراج (وهو واحد من ثلاثة سياسيين مهمين في مرحلة ما بعد الحرب) وفريقه، ونظرا لأن حزب الاستقلال لديه نائب واحد في البرلمان، حيث قاد الحزب حملة طويلة للخروج من أوروبا، ويستحق أن يتحمل مسؤولية في تحقيق طموحاته على أرض الواقع".
ويلفت الكاتب إلى أنه "يجب منح الحزب الوطني الأسكتلندي فرصة ثانية للاستفتاء على الخروج من الوحدة البريطانية، عندما يتم الانتهاء من التفاوض على شروط الخروج من أوروبا، وسيكون هذا قرارا ديمقراطيا عادلا، وسيمنح حياة لحكومة لندن الجديدة؛ لأن الأسكتلنديين سيعتمدون على الحكومة الجديدة للحصول على إذن من أجل تنظيم استفتاء ثان على الاستقلال، التي قد ترفض المشاركة في تصويت على حجب الثقة، وسيواجه الحزب الوطني الأسكتلندي المشكلة ذاتها التي واجهها عندما قرر الاستقلال والانضمام للاتحاد الأوروبي وحده، وسيكافح للحصول على التأثير والمعونات التي حصل عليها من ويسمنستر، فهل سيمول دافع الضريبة الأوروبي نظام الرعاية الاجتماعي الباذخ في أسكتلندا، والتعليم الجامعي المجاني، والوصفات الطبية المجانية، والخدمات الاجتماعية العامة بالطريقة ذاتها التي يقوم بها الإنجليز اليوم؟".
ويرجح أوبورن أن "تكون حكومة ما بعد الخروج من أوروبا أول امتحان عظيم للخدمات المدنية تحت قيادة سير جيرمي هيوود، ويجب أن تعمل بالكثير من التفاني، الذي عملته به أثناء حكومة كاميرون المؤيدة لأوروبا، وعلى أي موظف مدني يشعر بأنه غير قادر على القيام بدوره الاستقالة، ويجب على وزراء حكومة ما بعد الاتحاد الأوروبي العثور على خطط طارئة مناسبة لبريطانيا بعد الخروج في وزاراتهم، وفي حال لم يتم العثور على خطط طارئة، فإنه يجب التخلص من سير جيرمي وفريقه، حيث إنه في عام 1975، عندما تم الاستفتاء على عضوية بريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة، تم إعداد خطط كهذه، مع أن الفرصة لم تكن مؤكدة مثل عام 2016".
ويقول الكاتب إنه "يجب على الخدمات المدنية العمل بشكل مباشر؛ من أجل تحديد القوانين الأوروبية، وتلك البريطانية التي استخلصت منها، التي تعمل في خدمة المجتمع البريطاني، مثل تنظيمات سلامة الطعام، تمييزا لها عن القوانين التي تعبر عن المصالح المتنافسة، أو التنظيمات المجنونة، وعلى البرلمان تعيين لجنة دائمة من أجل تسريع هذا العمل".
ويجد أوبورن أنه "يجب التخلص من حاكم بنك إنجلترا المركزي مارك كارني، حيث كان المصرفي الكندي والموظف السابق في بنك (غولدمان ساكس) صوتا متحزبا في النقاش حول الاستفتاء، وهاجم حملة الخروج على برنامج أندرو في (بي بي سي)، ولن يستطيع الحصول على دعم وثقة حكومة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي والشعب البريطاني، ويجب إقناع سلفه ميرفين كينغ للعودة إلى منصبه، والمساعدة في تهدئة الأسواق".
ويعتقد الكاتب أن "القرار الجريء الذي اتخذه البريطانيون سيؤدي إلى ثورة واسعة في أوروبا ضد الاتحاد الأوروبي، وأتوقع أن تخرج اليونان من محور اليورو في غضون أشهر، بشكل يفتح الطريق أمام سلسلة من التفاعلات السلبية، وستحاول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل القيام بمحاولات قوية، والتحرك نحو خلق دولة أوروبية واحدة، مستخدمة هذه الأزمة، وستقاوم هذه المحاولة، ما سيؤدي إلى اضطرابات عنيفة، على خلفية البطالة الواسعة والفشل
الاقتصادي".
وينوه أوبورن إلى أنه "أمام حكومة ما بعد الخروج فرصة عظيمة لقيادة الشعوب الأوروبية كلها لمستقبل أفضل من الاتحاد الأوروبي المتراجع وغير المحبوب واللاديمقراطي، وهناك عدد من قادة الاتحاد الأوروبي يطالبون الآن باستفتاء في بلادهم، ولدينا كل شيء من أجل تقديم أجندة أفضل لأوروبا".
ويقول الكاتب: "يجب أن تكون رسالتنا: بألا يقبل أي شعب أوروبي إبادة الديمقراطية الوطنية، ويجب ألا يقبل أي شعب أوروبي البطالة الكبيرة، والانكماش، أو ضرائب عالية كبيرة من أجل دعم اليورو، ويجب ألا يقبل أي شعب أوروبي عددا غير محدود ودائما من المهاجرين، أو يقبل الفشل المستمر ومخلفات ناتجة عن السياسة الزراعية، أو السياسة السمكية، وغير ذلك من القرارات الجمعية الفاشلة، ويجب ألا يقبل أي شعب أوروبي حماقة الجيش الأوروبي، والتظاهر بوجود سياسة خارجية أوروبية".
ويخلص أوبورن إلى أنه "بناء على هذا، فإن 23 حزيران/ يونيو، سيتم النظر إليه كونه إحدى اللحظات العظيمة في التاريخ البريطاني، التي سيتم الاحتفال بها في قرون مقبلة".