بشكل مفاجئ، أعلن المكتب الإعلامي في حي برزة في
دمشق؛ عن إتمام صفقة لتبادل الأسرى مع قوات النظام على مدى الأيام الماضية واستكملت يوم الأحد، وهو ما أفضى إلى تحرير عدد من نساء الحي من قبضة القوى الأمنية والمليشيات التابعة للنظام، بعد مفاوضات طويلة شارك فيها عدد من الفصائل المقاتلة في المنطقة.
وأكدت مصادر تابعة للنظام استلام عدد من عناصره ممن وقعوا أسرى في قبضة الثوار في معارك وعمليات سابقة، وهو ما بات أمرا مألوفا في الأشهر الأخيرة، مع ازدياد مثل تلك العمليات لتحرير الأسرى من الطرفين، حيث يفاوض النظام كل منطقة على حدة للإفراج عن بعض معتقليها مقابل الإفراج عن أسراه، أو لغايات متعددة كفرض بعض الشروط أو فك حصار مفروض أو تمرير بعض السياسات، كما يجري في أحياء دمشق تحديدا.
وفي حديث خاص لعضو المكتب الإعلامي في برزة، عدنان الدمشقي، قال لـ"
عربي21" إن "خمسا من أصل تسع من معتقلات الحي قد تم الإفراج عنهن في هذه الصفقة التي جاءت بعد غضب شعبي واحتقان من قبل أهالي المعتقلات، ما أدى إلى اندلاع مناوشات هددت استقرار الهدنة بشكل فعلي للمرة الأولى منذ عقدها مطلع 2014، لكن وعودا بتحرير النساء اللاتي كن قد اعتقلن قبل هذا التوتر، بالإضافة إلى من سبقهن في سجون النظام، قد أنهت الاشتباكات".
وأوضح الدمشقي أن الكتائب العسكرية التي ترابط في الحي هي من أتمت المفاوضات، بعد فشل لجنة المصالحة الممثلة للحي، ولعدة مرات، في مفاوضاتها مع ممثلي النظام، حيث تم تجاهل مطالبها.
وفي تفاصيل الصفقة يقول الدمشقي: "إن مفاوضات طويلة مع النظام وبشكل سري خلصت إلى الإفراج عن خمسة من عناصر النظام كانوا قد أسروا منذ فترات متفاوتة، منهم من قضى أسابيع، وأقدمهم مضى على أسره أكثر من عامين ونصف العام في عهدة جيش الإسلام، واللواء الأول، ولواء سيف الدين الدمشقي، وهي الفصائل التي فاوضت عن الحي".
في المقابل، يقول الدمشقي لـ"
عربي21": "قام النظام بالإفراج عن فتاة من الحي كبداية للصفقة، ثم أفرج في اليوم التالي عن امرأة مع طفلها، واكتملت العملية يوم الأحد بتسليم العناصر الخمسة التابعة للنظام مقابل تسليم النظام لثلاث نساء، ويبقى لدى النظام أربع من نساء الحي".
ونفى الدمشقي وجود عناصر أجنبية بين أسرى النظام، مؤكدا أن جميع
المعتقلين من السوريين. وأشار إلى أن هذه ليست العملية الأولى بين الطرفين، لكن سابقاتها تمت بسرية تامة.
وأشار الدمشقي في ختام حديثه إلى أن أكثر من 350 من أهالي الحي لا زالوا أسرى في أقبية النظام، أغلبهم مجهولو المصير، "حالهم كحال مئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين عند النظام".
ونشر جيش الإسلام تسجيل فيديو لتوثيق جانب من العملية، حيث أظهر اثنين من أسرى النظام، أحدهم قال إنه أُسر على يد جيش الإسلام في مدينة عدرا العمالية قبل سنتين ونصف. وقال التسجيل إن ثلاث نساء كن لدى النظام تم إطلاقهن ضمن الصفقة.
لكن ظاهر هذه العمليات ليس كباطنها، كما يقول نور، وهو مقاتل سابق في صفوف الجيش الحر، إذ يعتبر نور أن النظام قد خطط لهذه السياسة لتنويم الفصائل وتبريد الجبهات، "وهو ماتم له تقريبا".
ويشير نور، في حديثه لـ"
عربي21" إلى أنه "بعد موجة الهدن التي كان ركنها الأول في كل الحالات هو إطلاق سراح المعتقلين، قام النظام بالموافقة على هذا الشرط (إطلاق المعتقلين)، لكنه لم يطبقه إطلاقا في أي من الهدن. وبدلا من ذلك، استمرت عمليات الاعتقال، على الرغم من تقلص عدد المعتقلين الجدد، ليس نتيجة استقرار الأوضاع أو رحمة من النظام، إنما بسبب التكتل الهائل الذي خلفته الهدن، فأصبحت تلك الأحياء والمناطق المهادنة ملاذا لكل مطلوب للنظام".
ففي برزة مثلا عشرات الآلاف من أهالي الغوطة؛ ممن لا يستطيعون مغادرة أسوار الحي، خشية التحول إلى رقم على الجبين في صورة مسربة من المعتقلات.
كما يقوم النظام باعتقال الناس بعد الهدن، ثم يقوم بالمفاوضة عليهم مع عدد ضئيل جدا من المعتقلين القدامى الذين كانوا محور توقيع الهدن، للحصول على أسراه عند الثوار.
وبعد أن كانت صفقات الأسرى، وإن اشتركت فيها مناطق لم تهادن كالغوطة، تتمتع بصفة السرية بأمر من النظام الحريص على إغلاق الباب أمام مؤيديه للمطالبة بأبنائهم الذين أسرتهم فصائل الثوار، وكذلك الفصائل التي لا تريد الظهور كمفاوض للنظام، لكن نجاح النظام بخطته شجعه للمضي بها، وزاد على ذلك تشجيع المليشيات المؤيدة له على عمليات الخطف لابتزاز المعارضة بالأسرى والمال، كما يقول نور.
وشهدت معظم الأحياء المهادنة في دمشق وريفها؛ عمليات تبادل للأسرى على غرار هذه العملية، لكنها فاوضت على حدة، ومع ممثلين عن الفروع الأمنية المسؤولة عن تلك المناطق. وتميزت كل العمليات بعدد الأسرى المحدود الذي يتم الاتفاق على إطلاقه.