كتبت إليزابيث ديكنسون تقريرا في صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" عن أجيال سعودية نسوية تعمل على التغيير، وتدفع للعمل في مجالات الحياة المختلفة.
وتقول الكاتبة إنها قابلت جيلين، كل منهما يمثل وجها مختلفا للمملكة، ففي "مول المملكة" قابلت نوف، التي تمثل وجه
المرأة الراضية عن نفسها ووضعها، فهي لا تعمل، وجاءت لمقابلة صديقة لها في المول بسيارة يقودها سائق العائلة الخاص، ولا يبدو أنها مهتمة بكونها لا تستطيع الخروج من البيت إلا مع محرم، ولا يسمح لها بالعمل، وقالت إن حاجتها للإذن لا تعرقل حركتها "إخواننا وآباؤنا يقدمون لنا المساعدة"، وتقول إنها مرتاحة فيما يعمل الرجال لتوفير المعيشة والمال لدفع الفواتير.
ويشير التقرير إلى أنه ليس بعيدا عن المقهى الخاص بالنساء في المول، الذي تجلس فيه نوف، كانت ولاء تجلس مع زميلاتها في فترة الصلاة، التي يطلب فيها وقف التعاملات التجارية، وكن يشتركن في تناول صحن حمص، وتحدثت ولاء عن كفاحها مع عائلتها، التي رفضت السماح لها بالعمل، وتقول: "كانت عائلتي ضد العمل؛ لأنني سأركب السيارة مع غريب، وكانت هذه هي العقبة الرئيسة".
وتعلق ديكنسون قائلة: "أن تكوني وحيدة مع غريب أمر لا يمكن التسامح معه، خاصة أن عائلتها رفضت عمل قريبة لها، إلا أن الضرورات المالية وحاجات العائلة جعلتاها تصر على العمل حتى لانت العائلة، ووجدت ولاء طرقا للتغلب على المشكلة، من خلال مرافقة قريب لها، والاعتماد على صديقاتها في العمل في الذهاب والإياب للبيت".
وتلفت الصحيفة إلى أن وجه ولاء المتعب، الذي يحمل علامات سنوات من التحدي، يكشف عن جيل من الفتيات
السعوديات الطامحات للتغيير.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن حقوق المرأة
السعودية كان ينظر إليها ولعقود عبر مجموعة من النساء السعوديات الثريات والمتعلمات اللاتي قدن حملات تدعو إلى السماح للمرأة بقيادة السيارة، عبر "تويتر" والهاشتاغ، وأثرن اهتمام الرأي العام العالمي، مستدركا بأن مشكلة عدم القدرة على القيادة والقيود المرافقة لها هي من القضايا التي تشغل المرأة السعودية العاملة.
وتبين الكاتبة أن هناك الكثير من السعوديات ميسورات الحال، ممن لا يردن التغيير أصلا، حيث يقول مدير التحرير السابق لـ"سعودي غازيت" خالد المعينا: "الناس الأثرياء هنا ليسوا مهتمين بالدفع نحو التغيير، خاصة أن النخبة قادرة على دفع 1500 ريال (400 دولار) لسائق خاص في كل شهر"، وبالنسبة لنساء، مثل ولاء، فهن لسن قادرات على استئجار سائق خاص أو شراء سيارات، وهن ممن ترفض عائلاتهن ركوبهن السيارات العمومية، وهؤلاء النساء هن اللاتي يغيرن المجتمع السعودي اليوم.
وتذكر الصحيفة أنه على خلاف المتعلمات، فإن هؤلاء النساء لا يستخدمن لغة حقوق الإنسان، ولا يعتبرن أنفسهن داعيات ومدافعات عن حقوق المرأة، ومن خلال أفعالهن يقمن بالدفع واختبار حدود ما هو ممكن. وفي موضوع قيادة السيارات فإن هؤلاء النساء يقلن إن منع ركوب السيارات العمومية يعيق حركتهن، ويؤدي إلى إنفاق ثلث الرواتب التي يتقاضينها على المواصلات.
وينقل التقرير عن مسؤولة مجموعة ضغط داخل غرفة جدة للتجارة بسمة العمير، التي تعمل على تقوية وتعزيز دور المرأة: "ليس كل واحد لديه القدرة على توظيف سائق"، مشيرا إلى أن مجموعتها قامت في الآونة الأخيرة بإجراء دراسة مسحية، وجدت أن نسبة 48% من المجتمع لديها سائق خاص، وتقول العمير: "دون مواصلات عامة، فإنك تقوم بشل نصف مجتمعك"، ومع ذلك فإن المرأة التي يحظر عليها استخدام الوسائل العامة يطلب منها أن تشارك في تأمين المعيشة للبيت، والإسهام في دخل الأسرة، ومع ارتفاع مستويات المعيشة، وتخفيف القيود على
عمل المرأة ارتفعت معدلات توظيف المرأة بنسبة 48% منذ عام 2010، وهناك الكثير من العائلات السعوديات يعتمدن اليوم على مصدرين للدخل.
وتنوه ديكنسون إلى أن هذا التوجه سيزداد مع انخفاض أسعار النفط، حيث قالت الحكومة السعودية إنها ستقوم بتخفيض مستويات الرعاية الاجتماعية في عام 2016، وهي المساعدات التي حمت العائلات السعودية من الحاجة الاقتصادية.
وتورد الصحيفة نقلا عن البروفيسورة في علم الاجتماع والناشطة سحر نصيف، قولها: "في هذه الأيام صارت المرأة رجلا"، وتضيف أنها تقاتل من أجل المرأة التي "تريد العمل؛ لأنها تريد مساعدة نفسها، وتوفير الطعام"، مشيرة إلى أن هذه هي حالة ولاء، التي تركت المدرسة الثانوية قبل سبع سنوات للعمل ومساعدة عائلتها، قبل أن يصبح مشهد النساء السعوديات العاملات في المحلات أمرا عاديا.
وبحسب التقرير، فإنه عندما توفي قريب لولاء فإنها تزوجت مبكرا للمساعدة في تخفيف المطالب المالية لعائلتها، ورفض زوجها الجديد عملها، لكنه لان في النهاية؛ بسبب الحاجة إلى المال، ولأن زوجته أصرت على العمل، وتقول: "كنت بحاجة للعمل"، و"لم أتعود البقاء في البيت طول الوقت"، لكن زوجها وافق على عملها بشرط أن يرسلها كل يوم بالسيارة إلى مكان العمل؛ حتى تتجنب الاختلاط مع الرجال.
وتشير الكاتبة إلى أنه في محاولة لتخفيف نفقات المواصلات، فإنه عادة ما تتفق الفتيات العاملات في المحل الواحد على استئجار سائق يوصلهن إلى البيت، وتدفع كل واحدة مبلغ 600 ريال (160 دولارا) في الشهر.
وتستدرك الصحيفة بأن التكلفة المادية ليست مشكلة، مشيرة إلى أن هناك قصصا شائعة عن المضايقات والتحرش اللفظي والهجمات على الفتيات اللاتي يستخدمن السيارات العامة أو التاكسي، وتقول الكاتبة المقيمة في مدينة جدة تماضر العليمي: "في نهاية اليوم، من يقومون بالتحرش بالنساء يعرفون أن وصمة العار ستلاحق المرأة لا الرجل"، وستطرح أسئلة على المرأة "ماذا كنت تلبسين، وهل تغزلت به؟".
ويورد التقرير نقلا عن ناشطات داعيات إلى قيادة المرأة للسيارة، قولهن إن الرأي العام لا الحكومة هو أكبر عقبة أمام التغيير، ووجدت العمير في آخر دراسة مسحية لها أن 50% من الذين استجوبتهم يدعمون السماح للمرأة بقيادة السيارة.
وتلاحظ ديكنسون أن المحظورات من عمل المرأة بدأت تخف، وأن التفاعل داخل مؤسسات الحياة العامة واضح، خاصة أن النساء يعملن في الاستقبال، كما يعملن كاتبات وطبيبات ومديرات.
وتكشف الصحيفة عن أن أشد الرافضات للتغيير هن النساء الثريات، اللاتي يمكنهن تجاهل القيود أو التحايل عليها، حيث تنتقد العنود، صديقة نوف، الداعيات إلى قيادة المرأة للسيارة، وتقول: "النساء اللاتي يردن تغيير قيم وعادات السعوديين لا نعدهن جزءا منا، لكنهن غريبات".
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن الناشطات السعوديات لن يغيرن المجتمع، مستدركة بأن من سيغيره هو جيش النساء العاملات في المملكة، اللاتي لابد من عثورهن على وسيلة للتنقل والوصول إلى العمل.