"كلما سمعت كلمة الثقافة تحسست مسدسي" عبارة "نازية" عابرة للأشخاص والمكان والزمان، تلخص موقف "الطغيان" من "الفكرة" عدوه الأول، بل الأوحد.
العبارة التي وردت للمرة الأولى على لسان أحد أبطال مسرحية، كتبت خصيصا للاحتفال بعيد ميلاد "هتلر" الرابع والأربعين، استشهد بها من وزرائه "جورنج" وزير الطيران، و"جوبلز" وزير الدعاية، واستشهد بها "هتلر" نفسه، ومازال "الطغاة" عبر الزمان والمكان يرددونها قولا وعملا.
قالها "عبد الناصر" وفعلها حتى مع البطل الحقيقي ليوليو 1952 "يوسف صديق". ففي إحدى ليالي ذلك الصيف البعيد من خمسينيات القرن الماضي، حاصرت قوات الأمن "دار الفكر للنشر" وبعد اعتقال صاحبها الكاتب المعروف "إبراهيم عبدالحليم" راح الجنود يفتشون بين الأوراق الموجودة في الدار، حتى عثروا على دفتر يضم المجموعة الكاملة لأشعار العقيد "يوسف صديق" فحملوه معهم. وبعد شهور تم الإفراج عن "إبراهيم عبدالحليم"، لكن دفتر الأشعار لم يفرج عنه حتى الآن، وحين طالب ورثة "يوسف صديق" باسترداده قالوا لهم: انسوا الأمر، فهو غالبا لم يعد موجودا! وهكذا ضاع ـ إلا قليلا ـ تراث شاعر كبير، هو واحد من "أرباب السيف والقلم" في تاريخنا!
ويقولها ويفعلها "السيسي" ناهيا الشعب عن أن يسمع غيره، وآمرا باعتقال مئات الكتاب والمفكرين (بينهم 90 صحفيا محترفا) في سجن "العقرب" الرهيب، مع حرمانهم من أبسط مقومات الحياة. وبلا جريمة إلا "الفكرة" يخوضون الآن إضرابا انتصارا لها في مواجهة الطغيان.
وقالها "روبرت موغابي" مهددا الصحفيين: "عندما نبدأ بالصرامة والسيطرة فلا يشكو أحد".
وفي الصين، وحسبما نشرت "لونوفل أوبسرفاتير" هذا الأسبوع، تم اختطاف وإخفاء، ثم إعلان اعتقال، خمسة من الناشرين الشركاء في دار "مايتي كارنت" لمنع نشر كتاب عن غراميات الرئيس عنوانه "شي جين بينج وعشيقاته الست". وبرغم ذلك تلقى النسخة الإلكترونية من الكتاب رواجا هائلا على الإنترنت، ففي النهاية تنتصر الفكرة على الطغيان.
يقول "يوسف صديق":
أفرعونَ مصرَ وجبارَها.. صحوتَ لها من وراءِ القرونْ
ولكنَّ فرعونَ كانتْ لهُ.. عروش وعرشُكَ واه مهينْ
غدا تلتقي يا "جمالُ" الوجوهُ.. وتعرفُ قَدْرَكَ ماذا يكونْ.
ويقول "محمود درويش": على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ: نهايةُ سبتمبر، ساعةُ الشمسِ في السجنِ، غيم يُقلّدُ سِربا من الكائنات، هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين، وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ.
عن صحيفة الشرق القطرية