نشرت صحيفة هافنجتون بوست، في نسختها الفرنسية، تقريرا حول ظاهرة استعمال السجائر كعملة للبيع والشراء في
السجون التونسية، ونقلت شهادات بعض
السجناء التونسيين السابقين الذين أكدوا استفحال ظاهرة الاستغلال والرشاوى في هذه السجون.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن كل شيء في السجون التونسية يمكن الحصول عليه مقابل حفنة من السجائر، وقد تم مؤخرا الكشف عن رسالة وجهها أحد السجناء في السجن المدني بمنطقة المرناقية، في ضواحي العاصمة التونسية، إلى عائلته، كتب فيها لائحة بمجموعة الخدمات التي يمكن الحصول عليها في السجن، وعدد السجائر التي يجب دفعها مقابلها.
وأضافت الصحيفة أن ظاهرة الاتجار بالسجائر انتشرت في السجون التونسية؛ لأن استعمال النقود ممنوع منعا باتا، ولذلك يتم الدفع بالسجائر "الخفيفة" المعروفة في الأوساط الشعبية في تونس، والتي يتم إعطاؤها لحراس السجن الذين يبيعونها غالبا خارج السجن، بعد أن يحصلوا عليها في مقابل تمكين السجناء من حقوقهم التي يفترض أن يضمنها لهم القانون.
وذكرت الصحيفة أن قائمة الأسعار تكشف أن تمكين السجين من رؤية الطبيب تكلفه علبة من السجائر الخفيفة، كما أن تغيير الغرفة بالنسبة لمن لا يشعر بالراحة في غرفته يكلف ثلاث علب سجائر، أما الاتصال بالأهل والأقارب فهو يكلف أربع علب، والذهاب عند حلاق السجن يكلف علبتين لحارس السجن وعلبة للحلاق، أما الحصول على عطر فيكلف أربع علب، واستعارة كتاب لقراءته يكلف علبتين، وتغيير القناة التلفزيونية التي يشاهدها السجناء يكلف علبة.
واعتبرت الصحيفة أن المفاجأة الكبرى في ما تم كشفه عن السجون التونسية، هو أن أي شخص يمكنه الحصول على شفرة حلاقة في مقابل ثلاث علب من السجائر، ويمكنه في مقابل سبع علب أيضا الحصول على بعض الأقراص المخدرة والأدوية الممنوعة منعا باتا في السجون.
وقالت هافنجتون بوست إنها اتصلت بسجين سابق تونسي يدعى عاطف، قضى مدة عقوبته في سجن المرناقية؛ لارتكابه مجموعة من الجنح، وقد أكد ما تم تسريبه، وقال: "من الطبيعي أن تكون السجائر هي العملة المتداولة. أنا شخصيا استفدت من هذا الأمر مثل بقية السجناء، ولكن الأسعار التي يتم الحديث عنها ليست ثابتة؛ إذ إن الأمر متعلق بعدة ظروف، من بينها الحالة الاقتصادية للسجين والخلفية الاجتماعية التي يأتي منها، فإذا كان يبدو عليه الثراء ويكتشف السجانون أنه من عائلة ثرية، فإن التعرفة تصبح مضاعفة".
كما أكد عاطف للصحيفة أنه "رأى أشياء أكثر غرابة في السجن؛ حيث إن السجون التونسية يتم فيها بيع وشراء المخدرات والكحول والأسلحة اليدوية والخناجر، وهذه المواد تشكل تجارة سرية داخل السجن، تمكن الكثيرين من كسب المال، فيما تمكن آخرين من اكتساب الهيبة وردع من يمارسون المضايقات، وبالتالي فإن الجميع مستفيدون من هذه التجارة".
كما نقلت الصحيفة عن سجين سابق آخر يدعى أمين، قضى أياما في السجن بعد أن صدم شخصا بسيارته، قوله: "عندما تبدو شخصا ثريا ومن عائلة معروفة، وتتصرف في السجن بكل احترام وهدوء، فإن ذلك يوقعك في كثير من المشكلات ويعرضك للابتزاز. وقد أُجبرت على دفع السجائر في مقابل كل شيء، بما في ذلك حقوقي. فحتى حين تأتي عائلتي لزيارتي، وهو أمر بديهي في أي سجن في العالم، يتوجب علي الدفع حتى أستمتع بهذه الزيارة، وبما أن الحارس لم يكن بمقدوره منعي من هذا الحق، فإنه كان يوعز لسجين آخر لمنعي من الخروج من زنزانتي أثناء وقت الزيارة، وعندما أدفع علب السجائر يقومان باقتسامها".
كما نقلت الصحيفة عن أمين قوله: "إن عمليات الابتزاز تجاوزت كل حدود المعقول في الأيام التي قضاها في السجن، فحين تأكد أحد الحراس من أنه ينتمي إلى عائلة ثرية، أجبره على دفع
الرشاوى المالية خارج السجن". وقد قامت زوجة هذا السجين بالفعل بدفع الأموال لأحد أقارب هذا الحارس، حتى يتمكن أمين من الحصول على حقوقه في السجن ويبقى بعيدا عن المشكلات. ولحسن الحظ، فإن فترة إيقاف أمين لم تطل كثيرا.