كتب رفائيل ليفيفر تقريرا نشره موقع "سيريا إن كرايسس" في مركز كارنيغي الشرق الأوسط، حول ما أسماه التوجه الجديد للإخوان المسلمين في
لبنان.
ويبدأ الكاتب تقريره قائلا: "لم يؤد الإخوان المسلمون دورا مهما في الحياة السياسية اللبنانية، كما في بقية الدول العربية، مثل مصر وسوريا، لكن انتخاب عزام
الأيوبي في كانون الثاني/ يناير أمينا عاما للجماعة الإسلامية في لبنان، أثار تكهنات بأن انتخابه قد يكون محاولة لإحياء وتقوية صورة وتأثير المجتمع السني المحلي في لبنان".
ويشير التقرير إلى أنه ينظر إلى الأيوبي (48 عاما) من طرابلس، وهو مفتش تربوي ورئيس الدائرة السياسية في الجماعة، حتى وقت قريب على أنه شخص براغماتي، لكنه قيادي إسلامي مبدئي، يمكنه تعزيز شعبية الجماعة.
ويذكر الموقع أن تاريخ الجماعة الإسلامية اللبنانية يعود إلى عام 1964، حيث أنشئ أول مكتب لها في مدينة طرابلس، التي انتشرت منها إلى عدد من مناطق لبنان، وأقامت شبكة من المؤسسات الطبية والمدارس، التي وزعت على في أنحاء متفرقة من البلاد، كما نشطت الجماعة في الفضاء الديني السني، وأدى تأثيرها في المساجد والمؤسسات الدينية، مثل دار الفتوى، إلى تحويل الجماعة إلى أهم لاعب إسلامي سني في لبنان.
ويستدرك ليفيفر بأنه رغم النجاح الذي حققته الجماعة، إلا أنها ظلت على هامش السياسة اللبنانية، مشيرا إلى أنه ليس للجماعة سوى نائب واحد في البرلمان، مقارنة مع 26 نائبا من كتلة المستقبل، التي يترأسها رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، التي تعد المنافس الرئيسي السني للجماعة الإسلامية اللبنانية، التي تعد لاعبا صغيرا في تحالف 14 آذار، وهو تحالف من جماعات طائفية مختلفة معارضة للنظام السوري.
ويلفت التقرير إلى أن "الجماعة كافحت للحفاظ على استمرار وجود تأثير لها في معقلها الرئيسي، وهو طرابلس، وهناك عدة أسباب وراء ذلك، إلا أن العامل الرئيسي وراء هذا كله، هو غياب الشخصية القيادية القوية على رأس الجماعة، المستعدة لتوضيح مواقف الجماعة السياسية في قضايا عدة، وهي مشكلة تواجه الحرس القديم من القادة الإسلاميين".
ويجد الموقع أنه نتيجة لذلك فإن عزام الأيوبي سيواجه مشكلة صعبة قبل توسيع مدى تأثير الجماعة وإصلاحها، وضخ دماء جديدة فيها.
إصلاحات داخلية
ويبين الكاتب أن هناك مسألة تتعلق بتجاوز الخلافات الداخلية، وفي هذا الشأن يقول ليفيفر إن "انتخاب الأيوبي بنفسه هو تعبير عن حالة إحباط عميقة داخل صفوف الجماعة، خاصة قطاع الشباب والناشطين تجاه الأجيال القديمة، التي تدير الجماعة منذ الستينيات من القرن الماضي. وبالتأكيد فإن الخلافات التي ظهرت خلال المنافسات بين المرشحين الذين تنافسوا على قيادة الجماعة لم تكن أيديولوجية ولا مناطقية، بل كانت خلافات جيلية، فقد وضعت عزام الأيوبي، الذي حظي بدعم غالبية الجيل الشاب أمام منافسه غسان حبلص من طرابلس، ويعد من الجيل المؤسس للجماعة. وسبق انتصار الأيوبي انتخابه لمجلس الشورى، الذي يعد المؤسسة الرئيسية في اتخاذ القرارات، التي أسفرت عن صعود الأعضاء الشباب في المجلس".
ويذهب التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن التوترات الجيلية ليست نتاجا لتعطش الشباب لتولي مناصب قيادية ومسؤوليات، لكنها نتاج لتصادم رؤى حول هوية الجماعة الإسلامية، ففي الوقت الذي أكد فيه قادة الجماعة السابقون، مثل فتحي يكن وفيصل مولوي وإبراهيم المصري، نجاة الجماعة من خلال هيكلية ومناورات سياسية سرية، تبنى الشباب في المقابل نزعة انفتاحية ومواقف سياسية ثابتة.
وينوه الموقع إلى أن جيل من هم في الثلاثين والأربعين من عمرهم هو القوة المحركة وراء دخول ست نساء في مجلس الشورى، اللواتي سيمارسن حقهن في التصويت مثل الرجال، مشيرا إلى أن هذا الجيل دفع نحو تعاون أكثر مع القوى السنية الأخرى وغير المسلمين، ولم يخيب عزام أيوبي حتى هذا الوقت توقعاتهم، ومنح أول مقابلة صحافية له لصحيفة لبنانية رئيسية، ووعد بأن يقود الحركة نحو "مرحلة انتقالية"، وقال إنه سيحول الجماعة الإسلامية إلى حركة أكثر شفافية، وإلى حزب سياسي فاعل، وأكد تبنيه خط الاستمرارية في سياسة قادة الجماعة الذين سبقوه، لكنه شدد على أنه سيهتم بالتحالفات المتناسقة مع مصالح الجماعة ورؤيتها للسياسة المحلية والإقليمية.
ويوضح ليفيفر أن هذا كان تلميحا لتحالف الجماعة الإسلامية الانتخابية مع حركة المستقبل، التي لا تحظى بشعبية بين قواعد الجماعة الإسلامية؛ نظرا لقرب الحريري من السعودية، وهي الدولة التي دعمت الانقلاب على حركة الإخوان المسلمين في مصر والقمع الذي تبعه، لافتا إلى أنه بالإضافة إلى إمكانية التحالف مع كتلة المستقبل، فإن الجماعة ستؤكد موقفها المتشدد والرافض للنظام السوري.
ويفيد التقرير بأنه بعد أيام من انتخاب الأيوبي، قامت الجماعة الإسلامية وعدد من الجماعات الإسلامية الأخرى، بحملة شجبت فيها الحصار المفروض على بلدة مضايا السورية، وسياسة التجويع التي يمارسها النظام السوري بدعم من
حزب الله عليها، ونظمت الجماعة حملات جمع تبرعات واحتجاجات على الحدود اللبنانية السورية وفي العاصمة بيروت. وبعد ذلك بأسابيع، شاركت الجماعة في تظاهرة نظمت في طرابلس، عبر المشاركون فيها عن غضبهم للإفراج عن سياسي لبناني مؤيد للنظام السوري اتهم بالإرهاب، وقد تبنى الأيوبي المعارضة السورية في أكثر من مناسبة.
ويرى الموقع أن نقد النظام السوري والجماعات المحلية اللبنانية الموالية له قضية تحظى بشعبية بين المسلمين السنة في لبنان، وقد تعود بالنفع على الجماعة الإسلامية، وقد تعبر عن اختلاف موقفها عن حركة المستقبل، التي اتهمت بالتحرك أكثر من النظام السوري، بعدما تبنى الحريري سليمان فرنجية، الموالي للأسد ليكون مرشحا للرئاسة اللبنانية الشاغرة منذ أكثر من عام، كما ستعبر مواقف الجماعة الجديدة عن تحول في مواقف الحرس القديم، الذي كان قريبا من النظام السوري والجيل الجديد المبدئي الذي يمثله الأيوبي والرئيس لمجلس الشورى الجديد ومحمد شيخ عمار، وكلاهما معروفان بنقدهما الشديد لحزب الله وتدخله في
سوريا.
المسألة الطائفية
ويشير الكاتب إلى أن أهم تحديات الجماعة الإسلامية هو منع الانتقاد لحزب الله والنظام السوري من التطور إلى عنف طائفي، وذلك في سياق التوترات السنية الشيعية محليا وإقليميا.
ويستدرك التقرير بأنه رغم كون الجماعة الإسلامية تعبر عن الطائفة السنية في لبنان، إلا أنها ظلت على علاقة جيدة مع حزب الله حتى الأزمة السورية، لافتا إلى أن الرؤية السياسية للجماعة الإسلامية تقوم على أنها تريد "الابتعاد عن الخلافات الطائفية" و"تطور نقاط التلاقي بين السنة والشيعة، وهي كثيرة".
ويقول الموقع إن "الجماعة تعاونت عبر جناحها العسكري (قوات الفجر) ونفذت مع حزب الله عمليات عسكرية ضد إسرائيل. وفي الحقيقة كان بعض مسؤوليها، مثل فتحي يكن وعبد الله الترياقي، قريبين من حزب الله في عام 2006، وقد قررا الانشقاق عن الجماعة، وتأسيس (جبهة العمل الإسلامي) لتكون حركة سنية مرتبطة بحزب الله، لكن العلاقة بين الجماعة الإسلامية وحزب الله بدأت بالتدهور في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والثورة السورية عام 2011 وجهت ضربة قوية لهذه العلاقة، فقد قدمت الجماعة الإسلامية الدعم المادي والمعنوي للثورة السورية، فيما تدخل حزب الله عسكريا إلى جانب النظام السوري، وزاد التوتر بين الجماعتين، واندلعت المواجهات بينهما، ففي كانون الأول/ ديسمبر 2013، أوقف مسلحون سيارة لقادة في الجماعة الإسلامية كانت في منطقة تابعة لحزب الله في بيروت وأوجعوهم ضربا، وبعد أشهر قتل ناشط من الجماعة الإسلامية بعدما كتب أغنية ناقدة لحزب الله ودوره في بلدة يبرود، التي كانت معقلا للمعارضة السورية المسلحة".
ويستدرك ليفيفر بأنه رغم أن الخلافات بين الطرفين لم تتطور أو تترجم إلى هجمات طائفية، أو هجمات على قاعدة واسعة، إلا أن الوضع الأمني تدهور بين الأفراد في صيدا والبقاع، حيث يتمتع الطرفان بدعم وقاعدة شعبية قوية.
وبحسب التقرير، فقد أكد الأيوبي، الذي لم يكن راغبا بتوسيع شقة الخلافات، أهمية تجنيب لبنان النزاع الطائفي، ولهذا السبب عين النائب السابق والمعروف بعلاقاته الواسعة أسعد هرموش، مسؤولا للدائرة السياسية في الجماعة، وعقدا معا عدة لقاءات مع سياسيين، بعضهم له علاقة وثيقة مع حزب الله، مثل عبد الرحيم المراد ونبيه بري، في محاولة لإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، ولتجنب التشويش.
ويذكر الموقع أن الأيوبي حذر أعضاء الجماعة من "التطرف"، وقال إن الإسلام لا يقبل التطرف. وأضاف أن قيادة الجماعة قد تحاول جذب السنة في لبنان، من خلال تبني موقف أكثر حزما تجاه الأزمة السورية والنظام السوري وحليفه حزب الله.
ويعتقد الكاتب أن هذه استراتيجية محفوفة بالمخاطر، ويرتبط نجاحها بإصلاح في داخل الجماعة نفسها، والانفتاح على بقية الأحزاب غير السنية، والتزام قادة الحركة بالاستثمار في مجال التعليم ومنظمات المجتمع المدني.
ويختم "سيريا إن كرايسس" تقريره بالإشارة إلى أنه في حالة الفشل في تحقيق عملية التحول الداخلي في الجماعة، وبناء حواجز تمنع آثار الأزمات الإقليمية، فإن ذلك ستكون له تداعيات خطيرة، لن تهدد بقاء الجماعة الإسلامية فقط، لكن لبنان كاملا.