تساءلت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية حول الموقف التركي من الأزمة السورية، مشيرة إلى احتمالية تدخل
تركيا "غير المتوقع دائما" داخل الحدود السورية.
وفي مقال للكاتب اليساري باتريك كوكبيرن، مع "الإندبندنت"، فإنه أشار إلى إسقاط تركيا للطائرة الروسية التي انتهكت مجالها الجوي، موضحا أن الاستخبارات الروسية حذرت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من هذه الخطة، إلا أنه لم يستجب "لأنه لم يصدق أن تركيا قد تخاطر بجر روسيا لتدخل عسكري أكبر في الأزمة السورية".
وادعى كوكبيرن أن إسقاط الطائرة الروسية كان "فخا معدا"، إذ إن المقاتلات التركية كانت تطير على علو منخفض، في ما يدل على أنها كانت بمهمة خاصة لإسقاط المقاتلة الروسية، رغم قول تركيا إن إسقاطها للطائرة جاء لاختراق الأخيرة لمجالها الجوي.
واعتبر الكاتب اليساري أن إسقاط الطائرة مهم لأنه "يظهر إلى أي مدى يمكن أن تذهب تركيا لتثبيت مكانها في الحرب الجارية على حدودها الجنوبية وامتداد حدودها".
وأشارت "الإندبندنت" إلى أن الأزمة السورية تمر بمرحلة خطيرة؛ فخلال العام الماضي كان المقاتلون الأكراد وجناحهم المسلح (وحدات الحماية الشعبية)، يسيطرون على نصف حدود البلاد مع تركيا، بالإضافة إلى المعبر الرئيس لتنظيم الدولة في تل أبيض شمال الرقة، مدعومين بقوة أمريكية سمحت لهم بالتقدم في كل الاتجاهات وأخذ مساحات شاسعة شمال
سوريا بين نهري دجلة والفرات.
ويبقى لوحدات الحماية الشعبية ما يقرب من ثمانين كيلومترا أخرى، غربي جرابلس إلى الفرات، لإغلاق معبر تنظيم الدولة والفصائل المعارضة في إعزاز، في حين حذرت تركيا بقولها إن "خطها الأحمر" هو وجود الأكراد غرب الفرات، رغم عدم تدخلها عندما سيطرت "قوات سوريا الديمقراطية"، جناح وحدات الحماية الشعبية، على سد تشرين على الفرات، وهددت وجود تنظيم الدولة في منبج.
وقالت الصحيفة إن الشهور المقبلة ستحدد الفائز والخاسر في المنطقة لعقود مقبلة، معتبرة أن "حملة تركيا لإسقاط رئيس النظام السوري تبدو أقرب للهزيمة، بعد التدخل الروسي والمظلة الدولية".
واعتبر الكاتب أن تركيا يجب أن ترد على ذلك سريعا، بالرغم من صعوبة إرسال جيشها لشمال سوريا في ظل أوامر شديدة من روسيا وأمريكا، مستدركا بقوله: "إذا كان البديل هو الهزيمة والإهانة، فهي قد تفعل ذلك".
ونقل الكاتب عن جيرارد تشالي لاند، الخبير الفرنسي بشؤون الحروب وسياسات الشرق الأوسط، أنه "بدون وجود أردوغان رئيسا فإن الأتراك لن يتدخلوا عسكريا في شمال سوريا، لكن بما أنه في مكانه فأظن أنهم قد يفعلون".
ووصف كوكبيرن أردوغان بأن لديه "سمعة" برفع الرهانات كما فعل العام الماضي عندما فشل بالفوز في الانتخابات البرلمانية في أول انتخابات، ثم استفاد من مواجهة الأكراد وتشظي خصومه ليفوز بها في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
واعتبر تشالي لاند أن تركيا "قادرة على
التدخل العسكري، ولن تردعها روسيا"، مؤكدا أن هذا لن يكون سهلا بوجود طائرات في الجو ومضادات طيران على الأرض، لكن "بوتين يعرف تماما حدود تدخله العسكري في سوريا"، بحسب تعبيره.
وقال عمر شيخموس، القيادي الكردي المقيم في أوروبا، إن الأكراد السوريين يجب أن "يدركوا أن الروس والحكومة السورية لن يدخلوا في حرب مع الأتراك لأجلهم"، محذرا من أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" لا يجب أن يبالغ بتقدير قوته، لأن ردود فعل أردوغان غير متوقعة، بحسب تعبيره.
واعتقد قادة أكراد آخرون أن التدخل التركي مستبعد، وإن كان سيحصل؛ فكان يجب أن يتم قبل إسقاط الطائرة الروسية، إذ عززت هذه الحادثة القوة الجوية في سوريا والاستعداء تجاه تركيا، معطية الدعم الكامل للجيش السوري للتقدم شمال اللاذقية وحول حلب.
وحتى الآن، ما زال الأكراد السوريون متسائلين عما يجب فعله، فهم في ظل شبه دولتهم التي يسمونها "روجافا" استطاعوا التمدد بسرعة هائلة لحاجة أمريكا لهم للتعاون مع الحملة الجوية ضد تنظيم الدولة، ودعمت روسيا والولايات المتحدة "قوات سوريا الديمقراطية" بالتقدم تجاه منبج.
وأكد كوكبيرن أن الأكراد في هذه اللحظة يقفون إلى جانب النظام السوري، ولهم العدو نفسه، لكنهم يعلمون بالمقابل أن جيشهم قادر على البقاء طويلا بهذه الحرب.
وإذا لم تتدخل تركيا بشكل كبير، فسينتصر الأسد وحلفاؤه في ظل الدعم الروسي والإيراني وحزب الله القوي الذي قلب المعادلة لصالح النظام، مقابل فشل "الترويكا السنية الإقليمية" المتمثلة بالسعودية وقطر وتركيا، بإسقاط النظام عبر دعم المعارضة السورية، بحسب تعبير كوكبيرن.
وأوضح أن ذلك يرجع إلى أنهم واقعون تحت الضغط، في ظل غرق السعودية في اليمن، وانخفاض أسعار النفط، مستدركا بأن تحركات قطر غير محسوبة في سوريا، إذ نقل كوكبيرن عن مراقب للخليج قوله: "لا يمكننا تحديد سياسات قطر"، في حين قال معلق آخر إن "السياسة الخارجية القطرية مشروع غرور"، مقارنا إياها برغبة قطر لشراء مبان كبيرة عند استضافتها لكأس العالم.
وأوضح الكاتب اليساري أن السياسة السورية والعراقية تنتهي عادة بأن الجميع يسيء تقدير الحسابات، ثم يسقط في يديه، كما حصل مع الولايات المتحدة في العراق في 2003، وتنظيم الدولة في 2014، وكما يجري مع الأكراد في 2016.
وأشار الكاتب، الذي يوصف بانحيازه لإيران، إلى أن
إيران لم تقع في هذا لأنها تحركت "بحذر وخطوة وخطوة".
واختتم كوكبيرن بقوله إن تركيا هي القوة الإقليمية الأخيرة التي تستطيع أن تقلب معادلة الأحداث في سوريا بتدخل عسكري مفتوح، مشيرا إلى أن الصراع أصبح دوليا، وأن نهايته الحقيقية لا يمكن أن تتم إلا بموافقة أمريكية روسية.