قضايا وآراء

الإخوان و"إخوانهم".. مراجعة لا رجوع

1300x600
من النفوس التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قرآنه بل أقسم بها "النفس اللوامة"، التي تلوم صاحبها على تقصيره، وتحثه على البحث عن الأسباب الحقيقية لتعثره أو فشله، وعدم تعليق الأخطاء كلها في رقبة الغير، واللوم هو نوع من المراجعة وليس الرجوع، وشتان بينهما، فالمراجعة تعني التقييم لاستكمال السير وتحقيق الأهداف مع تجنب الأخطاء، أما الرجوع فهو نكوص عن المهمة وخذلان للأمة.

في تفسيره للنفس اللوامة يقول صاحب الظلال الشهيد سيد قطب "فهذه النفس اللوامة المتيقظة التقية الخائفة المتوجسة التي تحاسب نفسها، وتتلفت حولها، وتتبين حقيقة هواها، وتحذر خداع ذاتها هي النفس الكريمة على الله، حتى ليذكرها مع القيامة. ثم هي الصورة المقابلة للنفس الفاجرة. نفس الإنسان الذي يريد أن يفجر ويمضي قدما في الفجور، والذي يكذب ويتولى ويذهب إلى أهله يتمطى دون حساب لنفسه ودون تلوم ولا تحرج ولا مبالاة!".

وحين وقعت الهزيمة في غزوة أحد، أحدثت زلزالا نفسيا رهيبا في نفوس المسلمين، واستغربوا كيف تحدث تلك الهزيمة وهم المسلمون في مواجهة الكافرين، وكيف تحدث ورسول الله بين ظهرانيهم وهو الذي يتنزل عليه الوحي من السماء، فيرد عليهم القرآن بحقيقة صادمة "قل هو من عند أنفسكم" 

في تفسيره للآية رقم 165 من سورة آل عمران يقول صاحب الظلال "لقد كتب الله على نفسه النصر لأوليائه حملة رايته وأصحاب عقيدته‏.‏‏.‏ ولكنه علق هذا النصر بكمال حقيقة الإيمان في قلوبهم‏، وباستيفاء مقتضيات الإيمان في تنظيمهم وسلوكهم‏، وباستكمال العدة التي في طاقتهم وببذل الجهد الذي في وسعهم‏.‏‏.‏ فهذه سنة الله‏.‏ وسنة الله لا تحابي أحداً‏.‏‏.‏ فأما حين يقصرون في أحد هذه الأمور فإن عليهم أن يتقبلوا نتيجة التقصير‏.‏ فإن كونهم مسلمين لا يقتضي خرق السنن لهم وإبطال الناموس‏.‏ فإنما هم مسلمون لأنهم يطابقون حياتهم كلها على السنن ويصطلحون بفطرتهم كلها مع الناموس‏.‏‏.‏

ويمضي صاحب الظلال "أنفسكم هي التي تخلخلت وفشلت وتنازعت في الأمر‏.‏ وأنفسكم هي التي أخلت بشرط الله وشرط رسوله- صلى الله عليه وسلم- وأنفسكم هي التي خالجتها الأطماع والهواجس‏.‏ وأنفسكم هي التي عصت أمر رسول الله وخطته للمعركة‏.‏‏.‏ فهذا الذي تستنكرون أن يقع لكم وتقولون‏:‏ كيف هذا‏؟‏ هو من عند أنفسكم بانطباق سنة الله عليكم حين عرّضتم أنفسكم لها‏.‏ فالإنسان حين يعرّض نفسه لسنة الله لا بد أن تنطبق عليه مسلماً كان أو مشركاً ولا تنخرق محاباة له فمن كمال إسلامه أن يوافق نفسه على مقتضى سنة الله ابتداء‏!‏""وهذا الذي وقع في غزوة أحد مثل لهذا الذي نقوله عن التصور الإسلامي الشامل الكامل‏.‏ فقد عرف الله المسلمين سنته وشرطه في النصر والهزيمة‏.‏ فخالفوا هم عن سنته وشرطه فتعرضوا للألم والقرح الذي تعرضوا له‏.‏‏.‏ ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، فقد كان وراء المخالفة والألم تحقيق قدر الله في تمييز المؤمنين من المنافقين في الصف وتمحيص قلوب المؤمنين وتجلية ما فيها من غبش في التصور ومن ضعف أو قصور‏".‏

إذا كان هذا حال خير القرون، حين تعرضوا لزلزال الهزيمة في أحد وراحوا يبحثون عن الأسباب فما بالنا نحن اليوم وقد هزتنا المجازر والمشانق لكنها لا ينبغي أن تدفعنا للانهزام والتراجع بل إلى مراجعة حقيقية، مراجعة تشمل كل منتسبي جماعات التيار الإسلامي لا جماعة بعينها(الإخوان وإخوانهم من الجماعات الأخرى)، فالمصيبة حلت بالجميع من عند أنفسهم جميعا، ومع هذا يظل خطأ الكبير كبيرا وخطأ الصغير صغيرا، ومن هنا فإن تصاعد الدعوات بالمراجعة والتقييم داخل جماعة الإخوان المسلمين هو أمر محمود لأنه التزام بشرع الله أولا ولأنه سيسهم في تطوير أداء الجماعة وقدرتها على الصمود في مواجهة عاديات الدهر، وفي وجه المؤامرات العالمية الكبرى التي تحاك لهم، ومن هنا فإن من يدعو للمراجعة والتقييم يستهدف مصلحة الدعوة لا هدمها، ولا يمكن أن يوصف ذلك بـ"جلد الذات" أو سلخها أو طعنا في الظهر، بل هو مجرد نقد مشروع أمر الله به في قرآنه وظهر في قسمه بالنفس اللوامة، وهو الذي سيمنح الجماعة حياة جديدة وفاعلية أكبر، على عكس من يرفضون هذه المراجعة بدعوى أن الوقت لا يسمح بذلك، ومتى كان الوقت يسمح؟!، وهل نترك أنفسنا رهينة لزمن بمواصفات خاصة على مقاسنا قد لا يأتي أبدا؟ وهل عملية المراجعة ستكون الشغل الشاغل لجميع أفراد وقادة الإخوان؟ أليس من الممكن تكليف لجنة محددة بهذه المهمة ووضع مدة زمنية لها وتوفير كل الإمكانيات لنجاح عملها حتى تظل كل الطاقات الآخرة منشغلة بمهامها الأخرى؟ وتنتهي بذلك حجة أن الوقت لا يسمح.

إن اعتراف بعض المسئولين في عهد الرئيس مرسي بأخطائهم هو أمر يستحق التقدير وليس اعتباره "توريطة" أو سلخا للذات، وليت الجميع يفعلون ذلك سواء من الإخوان أو غيرهم، أما الادعاء بأن التقرير البريطاني عن الإخوان تلقف هذه الانتقادات ليستند إليها في ادعاءاته أن جماعة الإخوان لم تبذل ما يكفي لإثبات اعتدالها السياسي أو التزامها بقيم الديمقراطية، كما أنهم "أخفقوا في إقناع المصريين بكفاءتهم وبحسن نواياهم" فهو محل شك كبير، فالتقرير مدفوع مقدما وما كان مقبولا من الدافعين أن يخرج بأقل من هذه الصيغة، ولم يكن الصمت على الأخطاء ومداراتها سيشفع للإخوان لدى البريطانيين أو الأمريكيين فتخرج تقاريرهم بيضاء تسر الناظرين، وعلى الذين يبررون الصمت وعدم الدخول في عملية مراجعة وتقييم وتقويم أن يدركوا أنهم بذلك يضرون الجماعة ذاتها، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.