الحفل
الكبير الذي نظمه
اتحاد القبائل العربية في استاد العاصمة الإدارية (شرق القاهرة)
بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين لانتصارات أكتوبر (تشرين الأول) 1973؛ كان يستهدف
أمرا أو أمورا أخرى وإن اتخذ مناسبة ذكرى أكتوبر غطاء له.
كان
المستهدف هو إبراز حشد شعبي ضخم يمثل ظهيرا شعبيا للسيسي الذي تآكلت حاضنته
الشعبية على مدار السنوات الماضية تباعا؛ حتى اقتصرت على قطاع طائفي، وقطاع آخر من
أُسر العسكريين سواء من رجال الجيش أو الشرطة، فيما انفضّت القطاعات الشعبية
التقليدية الأخرى عنه لأسباب متنوعة؛ منها السياسي مثل التنازل عن جزيرتي تيران
وصنافير، والتنازل عن حقوق
مصر في مياه النيل، وتقزيم مصر على المستوى الدولي خاصة
أمام دول صغيرة مثل إسرائيل والإمارات (ناهيك بطبيعة الحال عن الانقلاب على إرادة
المصريين، وإغلاق الحياة السياسية والزج بعشرات الآلاف في السجون، وإصدار مئات
أحكام الإعدام والمصادرات.. إلخ).
المستهدف هو إبراز حشد شعبي ضخم يمثل ظهيرا شعبيا للسيسي الذي تآكلت حاضنته الشعبية على مدار السنوات الماضية تباعا؛ حتى اقتصرت على قطاع طائفي، وقطاع آخر من أُسر العسكريين سواء من رجال الجيش أو الشرطة، فيما انفضّت القطاعات الشعبية التقليدية الأخرى عنه لأسباب متنوعة
أما
الأسباب الاقتصادية التي دفعت الجزء الأكبر من
الحاضنة للشعبية للانصراف عن
السيسي
فهي الغلاء الفاحش، والتعويم المتكرر للجنيه ما أفقد الرواتب والدخول -رغم
زياداتها المتكررة- معظم قيمتها السوقية، وتفشي البطالة مع إغلاق المزيد من
المصانع والشركات بسبب الأزمات الاقتصادية، وسعي الكثير من الشباب للهجرة غير
الشرعية خارج مصر بحثا عن الحد الأدنى للعيش الكريم.
بعد
انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 انقسم الشعب المصري إلى داعمين للنظام ومناهضين
له، وظلت القطاعات الداعمة للنظام تمثل حاضنة شعبية له، وكان السيسي يحرص على
مخاطبتها بوصفها هي فقط المصريون، في حين ينزع هذه الصفة عن مناهضيه الذين وصفهم
بأهل الشر.
ضمت
حاضنة النظام 3 أصناف من المصريين: بعض القطاعات الشعبية التي غرّتها وعوده، وانطلت
عليها أكاذيبه، وتعرضت لعمليات غسيل دماغ إعلامي مكثف، والصنف الثاني قوى سياسية
ونخب فنية وثقافية ونشطاء وحقوقيين معارضون للإخوان ولفترة حكمهم، والصنف الثالث
طائفيون تملكهم خوف -غير مبرر-على عقيدتهم وشعائرهم في ظل حكم الإخوان، ونشروا هذه
المخاوف بين طائفتهم.
الصنف
الأول من هذه الحاضنة بدأ التململ حين تبخرت وعود السيسي بالرخاء تباعا، وحين وجدت
نفسها في معاناة لا تنتهي مع الغلاء الفاحش في الوقت الذي ظلت الرواتب والدخول على
حالها مع تعويم الجنيه، ومع تبخر مدخراتها في البنوك، وحتى خيبة أملها في عائدات
سندات قناة السويس التي تكالب عليها الكثيرون طمعا في عوائدها المرتفعة في حينه،
فإذ بالتعويم يجعلها بفائدة سلبية (أي يخفض قيمتها رغم فوائدها).
أما الصنف
الثاني من الحاضنة وهي القوى السياسية والنخب الرافضة للإخوان، فقد بدأت تململها
مع خيبة أملها في العودة لحكم مدني، كانت تتوقع أن تكون هي قادته، ومع صدمتها في
تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير، وفشله في أزمة سد النهضة، وبسبب اتساع
الاعتقالات بين صفوفها.
أما الصنف
الثالث وهو كتلة مسيحية معتبرة تعبر عنها بشكل أساسي الكنيسة، فلا تزال في معظمها
داعمة للنظام مع استمرار مخاوفها، لكنها ليست بنفس صلابتها السابقة مع ظهور أصوات
جديدة معارضة للنظام سواء على خلفيات سياسية مثل باقي القوى السياسية، أو خلفيات
اقتصادية مثل بقية القطاعات الشعبية الغاضبة، أو حتى على خلفيات طائفية مع استمرار
بعض الأزمات الطائفية التي عجز نظام السيسي عن مواجهتها.
في ظل
هذا التآكل المستمر لحاضنة النظام كان لزاما عليه أن يبحث عن طريقة لتجديدها،
وإثبات ذلك لخصومه في الداخل والخارج. تنافس رجال النظام في تأسيس أحزاب عقب
الانقلاب لتتمكن من تأطير الحاضنة الشعبية، وتنميتها، فكان حزب مستقبل وطن، وحُماة
وطن، والشعب الجمهوري، بخلاف جملة من الأحزاب الأخرى الأقل قيمة.
تم
تأسيس تلك الأحزاب في مكاتب الأجهزة الأمنية التي كانت تتنافس بدورها على الحصول
على نصيب أكبر من كعكة السلطة بجوار السيسي، وقد تمت الاستعانة بجنرالات كبار من
الجيش والشرطة لإدارة تلك الأحزاب، وتسويقها شعبيا، وتم تقديم كل الدعم الحكومي
اللازم لها، والتنسيق بينها في قائمة انتخابية واحدة للحصول على الأغلبية
البرلمانية الكاسحة، ولكنها لم تستطع التحول إلى أحزاب حقيقية بل ظلت أحزابا كرتونية،
وطفيلية، تعتمد أساسا على انتسابها للسلطة وتعبيرها عنها، حتى أن السلطة تسعى في
الوقت الحالي لإعادة رسم المشهد الحزبي بتقديم بعض أحزابها مثل حُماة وطن والشعب
الجمهوري، وتأخير حزب مستقبل وطن، الذي تصاعدت ضده الاتهامات، والذي يوصف شعبيا
بحزب الكراتين، في إشارة لاستخدامه كراتين (صناديق) مواد غذائية كرشوة لاجتذاب
الناخبين للتصويت له.
مع
عجز أحزاب السلطة عن تشكيل ظهير سياسي أو حاضنة سياسية شعبية حقيقية للنظام، اتجه
إلى تأسيس تشكيل شعبي غير حزبي، وهو اتحاد القبائل العربية، الذي تم تعديل اسمه
ليكون اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية. وهو بهذا الاسم يفترض أنه يمثل كل
المصريين، فكل المصريين ينتمون لعائلات وقبائل سواء كانت عربية أو غير عربية.
الاختبار الحقيقي لشعبية السيسي يكون بفتح الاستاد ذاته للقوى السياسية للاحتفال بذكرى ثورة يناير التي يفصلنا عنها أقل من 3 شهور، فالثورة التي يعظمها الدستور القائم لم يترك السيسي مناسبة إلا وذكرها بالسوء، بل وصل الأمر لاعتبارها في حفله الأخير بمثابة نكسة لا تقل عن نكسة يونيو (حزيران) 1967، وأن مصر تعيش الآن أجواء مشابهة لأجواء ما بعد النكسة، في محاولة منه لتشويه الثورة من ناحية ولتمرير سياساته الاقتصادية الخانقة والفاشلة
والمفترض
أن الجهة التي تمثل الشعب هي البرلمان المنتخب، وهو قائم بالفعل، لكن تأسيس هذا
الاتحاد جاء بهدف صناعة ظهير شعبي، قادر على الحشد والتعبئة التي فشلت فيها
الأحزاب. وكان الاختبار الأهم لهذا الاتحاد في الحشد لاحتفالية انتصارات أكتوبر
والتي تأخرت عن موعدها كثيرا حتى تكتمل عمليات الحشد والتعبئة من كل محافظات مصر،
عبر حافلات، ومن خلال مغريات مادية ومعنوية. وتم الحشد فعلا في استاد العاصمة
الإدارية، كأكبر حشد في تلك العاصمة الجديدة التي يسابق السيسي الزمن لتسويقها،
وجعلها مغرية للعمل والحياة، مع العلم أن الطاقة الاستيعابية لهذا الاستاد هي 80
ألف شخص، لكننا سنسمع عن حضور مليوني!!
سمح
السيسي بهذا الحشد بينما يرفض السماح بأي تظاهرات أخرى، وهناك المئات بل الآلاف من
المعتقلين بتهم التظاهر، لكن السماح لهذا الحشد كان لإظهار وجود حشود شعبية داعمة
له، وهي رسالة كما ذكرنا موجهة لخصومه في الداخل والخارج، ومن ناحية ثانية هي
اختبار لمدى قدرة اتحاد القبائل على الحشد والتعبئة كبديل لأحزاب السلطة التي فشلت
في مهمتها من قبل. والحقيقة أن الحشد لم يكن طبيعيا، بل كان مصطنعا، أُنفقت عليه
ملايين الجنيهات، ما بين بدلات نقدية، او تأجير حافلات، أو توفير أطعمة، او
تجهيزات فنية وتقنية أخرى.
الاختبار
الحقيقي لشعبية السيسي يكون بفتح الاستاد ذاته للقوى السياسية للاحتفال بذكرى ثورة
يناير التي يفصلنا عنها أقل من 3 شهور، فالثورة التي يعظمها الدستور القائم لم
يترك السيسي مناسبة إلا وذكرها بالسوء، بل وصل الأمر لاعتبارها في حفله الأخير
بمثابة نكسة لا تقل عن نكسة يونيو (حزيران) 1967، وأن مصر تعيش الآن أجواء مشابهة
لأجواء ما بعد النكسة، في محاولة منه لتشويه
الثورة من ناحية ولتمرير سياساته
الاقتصادية الخانقة والفاشلة من ناحية ثانية. لكن هذه الثورة مع ذلك لا تزال تمثل
مصدر إلهام للمصريين، وقدرتهم على التغيير، وعلى التمتع بالحرية والكرامة، ولو أن
السيسي يراها نكسة فإن عليه أن يستطلع رأي المصريين من خلال السماح بالاحتفال بها
في استاد العاصمة الإدارية أو حتى استاد القاهرة الدولي، فهل يقبل هذا الاختبار؟!
x.com/kotbelaraby