كتاب عربي 21

ارتدادات الصخيرات ومبادرة ملتقى الوفاق

1300x600
ثلاثة أسابيع مضت على توقيع اتفاق الصخيرات والارتدادات ماضية والجدل لا يهدأ حول مخرجات الاتفاق وحول البديل عنه.

قطار التفاوض الذي انطلق من تونس بالإعلان عن اتفاق المبادئ الذي وقعه أعضاء من البرلمان والمؤتمر ثم دعمه لقاء لرئيسي الجسمين التشريعيين يبدو أنه في اتجاهه إلى البحث عن محطة قريبة للتوقف والانتظار بعد الموقف الذي أُعلن على لسان السيد عقيلة صالح، رئيس البرلمان. بالمقابل فإن الاجتماعات في تونس لا تتوقف استعدادا لتشكيل حكومة الوفاق، والتي من المفترض أن تكون في طرابلس في أجل لا يتعدى الخمسة أسابيع.

التطور المهم خلال اليومين الماضيين هو لقاء الوفاق الوطني الثالث الذي التأم في طرابلس وسبقه لقاء مشابه في مدينة مصراته وآخر في مدينة غريان الشهريين الماضيين. فاللقاء الذي قام على فكرة المصالحة ولم الشمل ودعم المسار الحواري الرئيسي يبدو أنه اتخذ منحى سياسيا، بحسب البيان الصادر عن المجتمعين، حيث طالب البرلمان والمؤتمر بمشاركة لقاء الوفاق لترشيح واحد وعشرين مرشحا (سبعة أعضاء عن كل مكون وهي البرلمان والمؤتمر ولقاء الوفاق) ليسند إليها اختيار حكومة بديلة عن حكومة السيد فايز السراج التي هي محل رفض اللقاء كما جاء في البيان وفي كلمات العديد من المشاركين فيه.

إذن، الملتقى بهذه الصيغة سعى لإيجاد مظلة جديدة لدعم الحوار الليبي بعيدا عن مسار الصخيرات ومخرجاته، ولأن الخلاف القائم يحتاج إلى أرضية مشتركة للتوافق، ينظر البعض لملتقى الوفاق بنظرة إيجابية، لكن هناك تحديا وهو ألا يكون الملتقى ممثلا لقاعدة عريضة من الليبيين، وأنه قد يتحول لجسم سياسي باتجاهات سياسية منحازة، الأمر الذي قد يزيد الوضع الراهن تعقيدا.

ما يؤكد التخوف الذي أشرنا إليه أعلى هو أن مقاربة الملتقى تتأسس على أنه في حال عدم استجابة البرلمان والمؤتمر لمبادرة الملتقى بترشيح سبعة أعضاء عن كل جسم تشريعي لتشكيل لجنة اختيار الحكومة، فإن الملتقى سينوب عنهما في اختيار الأعضاء وينطلق بهما في مسعاه. هذا المسار سيكون إيجابيا في حالة واحدة وهو أن ينجح الملتقى في حشد كل الممثلين عن مكونات المجتمع الليبي غربا وشرقا وجنوبا لدعم جهوده.

المجتمع الدولي ممثلا في مبعوث الأمم المتحدة لا يأبه كثيرا لارتدادات التوقيع على الاتفاق السياسي في الصخيرات منتصف الشهر الماضي، وجهوده تتركز حول إقناع الأطراف الرافضة للاتفاق إما باللحاق بالاتفاق والتسليم بمخرجاته وفي مقدمتها حكومة السراج، أو التزام الحياد وعدم الوقوف ضدها. فقد كان هذا مضمون اجتماعاته الأخيرة برئيسي البرلمان والمؤتمر، وبعض النقاط التي عرضها كوبلر ويعتبرها البعض إيجابية إنما تصب في خانة الضمانات المحفزة ولا تمس جوهر الاتفاق كما يريد المعارضون في طرابلس. ولوجود مؤشرات على رجحان كفة الميزان لصالح دعم حكومة السراج في البرلمان، يمكن القول إن التحدي يتركز في طرابلس التي من المفترض أن تكون مقر الحكومة الجديدة.

بالقطع لن تكون نتائج الاجتماع برئيس المؤتمر الوطني مرضية بالنسبة للسيد كويلر، إذ ليس من المتوقع أن يسلم السيد بوسهمين ويرضخ بسهولة، ليس بعد لقاء الوفاق برغم محدودية المشاركة فيه تمثيلا على مستوى الجهات والمناطق والمدن، فهو يمثل سندا يخفف من الضغوط ويشتت جهد المبعوث الدولي الذي يبحث عن نقاط "التشويش" كما يراها لأجل احتوائها.

والخلاصة أن الارتدادات الأخيرة تضغط في اتجاه تأكيد القول بأن العاصمة ليست مهيأة تماما لتكون مقرا مريحا للحكومة وسندا داعما لها بالكلية، وهو تحد ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار، والمنطق يقتضي التعامل مع الموجات الارتدادية بحكمة حتى لو بدت محدوة وضعيفة ولا تشكل تسونامي يهدد الحكومة في نظر أنصارها، وبالتالي فإن الوفاق ما يزال يحتاج إلى حوار لتوسيعه، وأن ارتداداته تقول بأن تجاهله قد يرفع من درجة الاحتقان والتوتر في العاصمة إلى مستوى معرقل لعمل الحكومة بل ربما مهدد للاستقرار النسبي التي تنعم به المدينة.