أجرت صحيفة دير شبيغل الألمانية حوارا مع المسؤول السابق في الاستخبارات الأمريكية والقائد السابق للوحدات الخاصة، مايك فلين، الذي اعتبر أن غزو العراق تسبب بظهور
تنظيم الدولة، وأن الأمريكيين تصرفوا بغباء كبير بعد هجمات 9/11، وارتكبوا خطأ قاتلا عندما كان البغدادي في قبضتهم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن مايكل فلين البالغ من العمر 56 عاما، خدم في الجيش الأمريكي لأكثر من 30 سنة، وتقلد مناصب هامة من بينها مدير وكالة الاستخبارات في وزارة الدفاع، وقاد مهام حساسة في العراق وأفغانستان، من بينها ملاحقة أبو مصعب الزرقاوي، والنجاح في تحديد موقعه، تمهيدا لقتله بغارة جوية في حزيران/ يونيو 2006.
ونقلت الصحيفة عن فلين قوله إن "الأجهزة الأمنية الغربية تلقت تقارير وتحذيرات كثيرة من أن تنظيم الدولة يخطط لهجمات على أراضيها، وعناصر التنظيم هددوا بشكل علني بشن هجمات في أماكن بعيدة عن معاقلهم، ولكن الناس لم يأخذوهم على محمل الجد، وهذه الأجهزة الأمنية تغافلت عن مراقبة خلايا التنظيم، رغم أنها تطورت وانتشرت في عدة دول غربية".
وأضاف فلين أن "أسامة بن لادن تحدث في كتاباته عن ضرورة تفريق المقاتلين، وانتشاره في أوسع مساحة ممكنة، وتحركهم في مجموعات صغيرة، حتى يسهل عليهم تنفيذ الهجمات ويصعب اكتشافهم. وهذه الفكرة طبقها تنظيم الدولة، الذي أصبح أنصاره اليوم قادرين على اختيار أهدافهم وتجنيد مساعدين لهم، وتنفيذ هجمات دون الرجوع للقيادة المركزية في سوريا".
وأشار فلين إلى أن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري كانا يظهران في تسجيلات الفيديو جالسين على الأرض، وبجانبهما بندقية كلاشنيكوف، لأنها يريدان الظهور كمحاربين متواضعين. ولكن البغدادي ظهر فجأة يخطب في الموصل من منبر عال، ليضفي على نفسه هالة دينية كأنه البابا بالنسبة للمسيحيين، وهذا يعتبر تطورا كبيرا في الإستراتيجية الإعلامية للتنظيم".
واعتبر فلين أن قتل البغدادي لن يغير الكثير على الميدان، بل إنه من الممكن أن يكون قد قتل في إحدى الغارات، باعتبار أنه لم يظهر مؤخرا. فالفكرة التي كانت سائدة في السابق بأن قتل القائد سيؤثر على الأتباع انتهت مع التنظيمات الجهادية، باعتبار أن البغدادي تبين أنه أخطر من الزرقاوي، والزرقاوي كان أخطر من بن لادن.
وأضاف فلين أن "تنظيم الدولة شهد تطورا كبيرا في قدرته على الاستقطاب مقارنة بالتنظيمات السابقة، فقد كان الزرقاوي في أفضل فتراته قادرا على استقطاب 150 مقاتلا أجنبيا كل شهر، والبغدادي الآن يستقطب أكثر من 1500 مقاتل كل شهر من أكثر من 100 دولة حول العالم، لأنه أتقن استخدام التكنولوجيات الجديدة، وكسب الحرب الإلكترونية على مواقع الإنترنت".
وأكد فلين أن "القوى الغربية مضطرة مرة أخرى لوضع جنودها على الأرض إذا كانت تريد الدخول في مواجهة حقيقية مع تنظيم الدولة، لأن الغارات الجوية لوحدها لا تحدث تأثيرا كبيرا. ولكن الحلول العسكرية يجب أن ترافقها حلول سياسية، مع العمل على استعادة الأمن والخدمات لتشجيع اللاجئين على العودة. كما أن التدخل الغربي يجب أن يكون في إطار تحالف مع دول عربية، حتى لا ينظر إليه على أنه غزو أجنبي".
وذكرت الصحيفة أن القوات الأمريكية كانت قد ألقت القبض على أبي بكر البغدادي في شباط/ فبراير 2014، وتم اعتقاله في قاعدة عسكرية، ثم تم إطلاق سراحه من قبل لجنة عسكرية أمريكية باعتباره لا يشكل خطرا.
وقد أقر فلين بأن "هذا القرار كان غبيا جدا، مثله مثل عدة قرارات أخرى، فالولايات المتحدة بدأت تتصرف بطريقة لا عقلانية منذ هجمات 9/11، حيث إن الأمريكيين قالوا إن "من هم الذين هاجمونا؟ فلنذهب لقتلهم"، عوض أن يتساءلوا عن الأسباب التي جعلتهم مستهدفين، وهكذا سلكت السياسة الأمريكية طريقا خاطئة منذ البداية".
وقال فلين إن "الولايات المتحدة قررت بداية الذهاب لأفغانستان؛ لأنها معقل تنظيم القاعدة، ثم قررت غزو العراق، لأنها كانت تبحث عن مناطق تمركز
الإرهاب، ولم تفكر في أسباب تفشي ظاهرة الإرهاب والمشاعر المعادية للغرب، واليوم يجب عليها أن تستفيد من أخطائها وتتعلم الدرس".
وأضاف فلين في السياق ذاته أنه "لولا سقوط بغداد لما ظهر شيء اسمه تنظيم الدولة، ولهذا فهو يشعر بالندم الشديد على قرار غزو العراق؛ لأنه خطأ كبير، لا يقل ضررا عن بقاء صدام حسين، إذ إن صدام كان دكتاتورا، ولكن إسقاط نظامه جلب ضررا أكبر للعراق، والأمر ذاته ينطبق على العقيد معمر القذافي في ليبيا".