مقالات مختارة

من ينتصر في تركيا الإرهاب أم الانتخاب؟

1300x600
كتب محمد زاهد غول: يمثل انعقاد المؤتمر الخامس لحزب العدالة والتنمية في هذا التوقيت نقطة تحول في تاريخ الحزب وتاريخ تركيا في آن واحد، فإعادة انتخاب أحمد داود أغلو لرئاسة الحزب بعد ما يمكن تسميته تراجع الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 7حزيران/يونيو الماضي هو تأكيد على تماسك الحزب وعدم وجود خلافات داخله، بل وامتلاكه ناصية العمل والتخطيط والتقدم، وان قواعد الحزب لا تحمله مسؤولية التراجع في الأصوات الانتخابية البرلمانية الماضية. 

حيث اعتبر البعض انتخابه في شهر آب/ أغسطس العام الماضي إجراء مؤقتا أو انتخاب الضرورة، بعد فوز رئيس الحزب ومؤسسه رجب طيب أردوغان بمنصب رئاسة الجمهورية، وحيث أن احمد أوغلو ليس من المؤسسين لحزب العدالة والتنمية، وأن أمامه منافسين آخرين من مؤسسي الحزب، فقد كان انتخابه دليل على أن قواعد الحزب تدرك المسؤولية الملقاة عليها، وانها مارست الديمقراطية على مستوى الانتخابات داخل الحزب بصورة صحيحة وواعية.. 

فقد لا يكون أفضلهم من الجانب الحزبي الضيق، ولكنه أجدرهم لمصلحة تركيا وتحدياتها الحاضرة والقادمة، وهذا ما جعل حزب العدالة والتنمية يظهر بانه حزب المرحلة وحزب المستقبل، وحزب الديمقراطية المنظمة داخل انتخابات الحزب وخارجها، وهذا الفوز لأوغلو بالانتخاب داخل الحزب أعطى له زعامة حقيقية وأقوى داخل حزب العدالة والتنمية وخارجه.

لقد اختير رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، رئيسا لحزب العدالة والتنمية لولاية جديدة بعدما حصد ألفا و353 صوتا، في المؤتمر الدوري العام الخامس للحزب، بالعاصمة أنقرة، وأعلن رئيس ديوان المؤتمر بكر بوزداغ بنهاية فرز النتائج، أن داود أوغلو نال كافة الأصوات المقبولة والبالغ ألفا و 353 صوتا من أصل ألف و360 مندوبا أدلوا بأصواتهم، حيث لم تحتسب 7 أصوات منها، في حين بلغ عدد المندوبين الإجمالي الذين يحق لهم التصويت ألفا و445 مندوبا، ولذلك يمكن اعتبار انتخاب أوغلو على انه دلالة على قوة الحزب وتماسكه، وأن الحزب سيكون مستعدا أكثر للانتخابات القادمة في الأول من تشرين ثاني/ نوفمبر القادم. 

وانتخاب أوغلو لم ينه التحديات القائمة أمام الحزب، فأمامه أكثر من واجب منها ما يمس تغيير بعض القوانين الداخلية للحزب، والتي أثرت على الانتخابات الماضية، وهو ما أعلن عنه رسميا رئيس الحزب أحمد داود أوغلو، بإلغاء المادة التي تحظر أعضاء الحزب من الترشح لأكثر من 3 دورات برلمانية، وذلك لقصر المدة بين الانتخابات العامة التي جرت في الـ7 من حزيران/ يونيو الماضي، والانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.، فهذه الخطوة ضرورية من أجل إعادة الخبرات الكبيرة لدى الحزب للعمل الجماهيري والسياسي وإدارة الدولة بنجاح كما ثبت للشعب التركي في السنوات الأربع عشرة سنة الماضية.

وذكر داود أوغلو الخطوات التي ستتبعها تركيا في المرحلة القادمة، رغم الأحداث الإرهابية الأخيرة في البلاد، حيث صنفها في ثمان مواد رئيسية كالتالي:

1 ـ تعزيز الثقة بالنفس، والحفاظ عليها. 
2 ـ الحفاظ على كافة الأسس الديمقراطية في البلاد.
3 ـ إعادة بناء البيروقراطية في الدولة بأفضل الأشكال الممكنة.
4 ـ تعزيز الثقافة والحضارة التركية.
5 ـ مواصلة الإصلاحات في المجال الاقتصادي.
6 ـ تعزيز السياسات الخارجية.
7 ـ مواصلة الكفاح ضد التنظيمات الإرهابية وكافة قوى الشر الداعمة لها.
8 ـ مواصلة الإصلاحات في سلك القضاء التركي التي سبق وأعلن عنها في 17 نيسان/ أبريل الماضي.

هذه الخطوات الثماني هي خطوات أساسية في سياسة الحكومة التركية القادمة، التي يسعى حزب العدالة والتنمية السير عليها في هذه المرحلة والمرحلة التالية للانتخابات القادمة، حيث أن حرص حزب العدالة والتنمية على إثبات تماسكه وقوته وقدرته على وضع السياسات الواضحة، هي خطوات أساسية في المرحلة القادمة، فالحزب سيعد برنامجه الانتخابي في الأيام القادمة، ولكنها ستدور حول هذه الخطوات الثماني التي رسمها رئيس الحزب في مؤتمره العام الخامس.

هذه الصورة السياسية الواثقة من نفسها يقدمها حزب العدالة للشعب التركي ولكافة أصدقائه وضيوفه في المؤتمر وخارجه، وفي المقابل تخشى الأحزاب السياسية المعارضة الانتخابات القادمة، فقد عجزت في المرحلة السابقة من كسب ود وثقة وتضامن الشعب التركي معها.. 

ولذلك ليس غريبا أن تخرج أصوات زعماء أحزاب المعارضة وهي تشكو من الانتخابات القادمة، وبالأخص حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الذي فقد صوابه في التعامل مع أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية في الأشهر الماضية، فقد كان فشل نواب حزب الشعوب الديمقراطي في أدائهم السياسي في البرلمان التركي كبير جدا، فكان أداؤهم البرلماني صدمة للنواب الأتراك، وللشعب التركي، وهو ما انسحب أيضا على وزيري الحزب في الحكومة أيضا، حيث إنهم يتجاهلون ما تتعرض له تركيا من أعمال إرهابية، ويناكفون الحكومة بضرورة مطالبة حزب العمال الكردستاني بوقف عملياته الإرهابية وإلقاء سلاحه قبل العودة إلى مفاوضات السلام.

فرئيس حزب الشعوب الديمقراطي يقول قبل يوم من مؤتمر حزب العدالة والتنمية:» إن تدهور الوضع الأمني في جنوب شرق تركيا سيجعل من الصعب إجراء الانتخابات المزمعة في نوفمبر/ تشرين الثاني»، وفي الغالب أن الصعوبة التي يتحدث عنها ديمرطاش هي صعوبة تحقيق النجاح السابق لحزبه، الذي أكسبه ثمانين نائبا في الانتخابات البرلمانية الماضية، فقد كان فوز حزبه في المرة السابقة برغبة مشتركة بين أنصار حزب العدالة والتنمية المؤيدين لعملية السلام، مع الأصوات الكردية المؤيدة لعملية السلام أيضا، إضافة لبعض الخدع لأصوات انصار حزب الشعب الجمهوري، ولكن كل هذه الأصوات قد تكشفت لها حقيقة حزب الشعوب الديمقراطي وزعيمه ونوابه، وارتباطهم بأوامر حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل الإرهابي.

لذلك فإن الشعب التركي اليوم أمام مشهدين سياسيين بامتياز، أحدهما لحزب العدالة والتنمية الذي يظهر في مؤتمره الخامس متماسكا وممسكا بقراره السياسي، في انتخاب رئيسه وفي وضع الخطط السياسية لتركيا في المرحلة المقبلة، وبين حزب الشعوب الديمقراطي الذي فشل في أدائه السياسي عندما دخل البرلمان، ولم يميز الدور الذي كان ينبغي عليه القيام به بعد أن أصبح حزبا سياسيا له تمثيل سياسي في البرلمان، ولكنه أخذ يؤيد الإرهاب، أو لا يستنكره على أقل تقدير، ولا يتأثر برؤية العمليات الإرهابية التي تحصد أرواح الجنود والشرطة والمواطنين المدنيين الأتراك. 

فإذا كان ديمرطاش جادا برغبته أن تتحسن أحوال البلاد أمنيا قبل الانتخابات البرلمانية القادمة بعد شهر ونصف تقريبا، فإنه مطالب أن يغير سياسته ومواقفه من العمليات الإرهابية، وأن يعلن تنديده بها ورفضه أن يتولى حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل إدارة شؤون حزب وقضايا الأكراد في تركيا، فالشعب التركي بكل أصوله القومية قد انتخب نواب حزب الشعوب الديمقراطي لتمثيله في البرلمان وفي الحكومة وفي عملية السلام، وبالطرق السياسية والسلمية، كما أن عليه أن يطالب مقاتلي حزب العمال الكردستاني بمغادرة تركيا أو إلقاء السلاح، فقد جرب حزب العمال الكردستاني هذا الطريق العنفي في الماضي وقتل فيها أكثر من ثلاثين ألفا دون تحقيق نتائج إيجابية، فهل يعيد حزب الشعوب الديمقراطي أخطاء حزب العمال الكردستاني؟

(عن صحيفة القدس العربي اللندنية 17 أيلول/ سبتمبر 2015)