كتاب عربي 21

يساريون في خدمة الرأسمالية المتوحشة

1300x600
اليساريون بمختلف تياراتهم في جميع أنحاء العالم مناهضون للإمبريالية والرأسمالية فكريا وسياسيا، ونجد آراءهم وأدبياتهم مبنية على الدفاع عن حقوق العمال والمزارعين والفقراء ومحدودي الدخل وعموم الشعب أمام هجمات "الرأسمالية المتوحشة"، كما يصفون أنفسهم. وكذلك اليساريون الأتراك؛فهم يتحدثون عن الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وما إلى ذلك من الشعارات المعروفة للحركات اليسارية. ولكن الواقع يؤكد أن كثيرا من المثقفين المنتمين لليسار ليست لهم علاقة بالفقراء وعامة الناس، بل إنهم يستغلون أيديولوجيتهم اليسارية لأغراض سياسية ومصالحهم الشخصية ويتاجرون بها.

حين خرج المتظاهرون في صيف 2013 بميدان تقسيم في إسطنبول بحجة الدفاع عن البيئة والاحتجاج على قطع عدد من الأشجار في حديقة "غزي باركي"، وتحولت المظاهرات فيما بعد إلى أعمال الشغب والتخريب، كانت المنظمات اليسارية المتطرفة تحرِّك تلك الأحداث، ولكن التمويل والدعم اللوجيستي للمتظاهرين، مثل المواد الغذائية والمشروبات والخيم بالإضافة إلى الخدمات الصحية، كان يأتي من بعض رجال الأعمال الكبار.

تركيا تناقش هذه الأيام طبيعة العلاقة بين رجل الأعمال التركي المثير للجدل عثمان كاوالا، والمجموعات اليسارية المتطرفة والدعم المالي الذي يتلقونه منه وأسباب ذلك، بعد أن نشرت الكاتبة هلال قبلان مقالا في صحيفة "صباح" التركية حول هذه العلاقة المشبوهة بين رجل الأعمال الملقب بــ"الملياردير الأحمر" أو "سوروس الأحمر"، في إشارة إلى ممول الثورات الملونة رجل الأعمال الأمريكي الشهير جورج سوروس.

المقال يسلط الضوء على بعض الجوانب الغامضة من حياة عثمان كاوالا، ويشير إلى أنه عاد من الولايات المتحدة بعد وفاة والده ليتولى رئاسة مجموعة كاوالا، وأن شركة تابعة لمجموعته فازت في تسعينيات القرن الماضي بمناقصة تحديث الأنظمة الدفاعية لطائرات أف-16 التابعة للجيش التركي، وأنه مهندس سياسة حزب الشعوب الديمقراطي المعادية لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. وكان خطاب حزب الشعوب الديمقراطي خلال حملته الانتخابية قبل السابع من حزيران/ يونيو الماضي يركز على أنه لن يسمح لأردوغان بتحويل النظام من البرلماني إلى الرئاسي، كما أن رئيس الحزب صلاح الدين دميرتاش قد ألقى كلمة النصر بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات في مطعم الجزائر الذي يملكه كاوالا. ويذكر المقال أيضا أن كاوالا بعث إلى زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المسجون في جزيرة إيمرالي رسالة عبر النواب الذين قاموا بزيارته، تطلب من أوجلان عدم دعم فكرة الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

وبعد اشتعال النقاش في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أصدر كاوالا بيانا صحفيا لينفي الاتهامات الموجهة إليه حول سعيه لإفشال عملية السلام الداخلي وتوجيه حزب الشعوب الديمقراطي، إلا أنه يعترف بأنه بعث إلى رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش في2012 حين كان هذا الأخير رئيس حزب السلام والديمقراطية، برسالة تحدث فيها عن خطر الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في الظروف الراهنة.

معظم الكتاب والمثقفين اليساريين في تركيا أغنياء يعيشون في ترف بفضل دعم أقطاب "الرأسمالية المتوحشة" وفرص العمل التي يوفرونها لهم من خلال وسائل الإعلام والمنظمات الأهلية التي يموِّلونها، وهم من أبعد الناس عن معاناة الفقراء والمساكين والعمال والمزارعين، بل إنهم يحتقرونهم بسبب عاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم وخياراتهم السياسية.

حزب العمال الكردستاني يزعم أنه يقاتل من أجل الأكراد، ويدافع عنه ذراعه السياسي حزب الشعوب الديمقراطي المتحالف مع المجموعات اليسارية المتطرفة، ويوجِّهه رجل أعمال ينتسب إلى "الرأسمالية المتوحشة" وطبقة الأغنياء الذين يطلق عليهم "الأتراك البيض"، في إشارة إلى التمييز العنصري الذي يمارسونه ضد عموم الشعب، ويقوم كتاب ومثقفون يساريون بالدعاية لحزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي في وسائل الإعلام التي يموِّلها رجل الأعمال نفسه. 

علاقات مشبوهة وحرب قذرة ضحاياها شباب من الأتراك والأكراد وسكان المناطق التي بدأ الأطباء يهربون منها بسبب الأعمال الإرهابية وعدم وجود الأمن والاستقرار، وأما المستفيد منها فتجار الأسلحة الذين يشعلون الحروب ويؤججونها بشتى الوسائل، ومن خلال مرتزقة يقومون بتمويلهم حتى ترتفع أرباحهم.