نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من شهر يونيو / حزيران الماضي لم تمكِّن أيا من الأحزاب الأربعة التي دخلت البرلمان التركي من تشكيل الحكومة وحده. وقام رئيس الجمهورية رجب طيب
أردوغان بتكليف رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في التاسع من شهر يوليو / تموز بتشكيل الحكومة بصفته رئيس الحزب الذي جاء في المرتبة الأولى في الانتخابات. وبناء على هذا التكليف، أجرى داود أوغلو مباحثات مع رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلتشدار أوغلو ورئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي للوصول إلى تفاهم مع أحدهما لتشكيل حكومة ائتلافية، إلا أن مساعيه باءت بالفشل، وأعاد داود أوغلو تكليف تشكيل الحكومة في الثامن عشر من الشهر الجاري، أي بعد أربعين يوما من تكليفه، إلى أردوغان.
رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لم يقم بتكليف رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي جاء في المرتبة الثانية في الانتخابات، كمال كلتشدار أوغلو، بتشكيل الحكومة، بل فضَّل الانتظار حتى تنقضي المهلة الدستورية التي لا بد من تشكيل الحكومة الجديدة قبل انتهائها، وهي 45 يوما، للدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة.
قرار أردوغان هذا أثار علامات استفهام حول سبب امتناعه عن تكليف كلتشدار أوغلو بتشكيل الحكومة. لماذا لم يتم تكليف رئيس حزب الشعب الجمهوري بتشكيل الحكومة؟ وكان كلتشدار أوغلو قد صرح قبل الانتخابات بأنه لن يذهب إلى القصر الرئاسي الجديد للقاء أردوغان. وهل هذا التصريح دفع رئيس الجمهورية إلى عدم تكليف كلتشدار أوغلو بتشكيل الحكومة؟
في الحقيقة، تصريحات كلتشدار أوغلو التي تشير إلى عدم اعترافه بشرعية رئيس الجمهورية المنتخب وتسيء إلى أعلى منصب في البلاد، لا علاقة لها بعدم تكليفه بتشكيل الحكومة، لأن أردوغان كان بإمكانه أن يدعو كلتشدار أوغلو إلى القصر الرئاسي لتكليفه بتشكيل الحكومة ويرمي الكرة إلى ملعبه ليرى هل يثبت على موقفه فيرفض الذهاب إلى القصر الرئاسي أم يتراجع عنه فيلبي الدعوة ويجري إلى القصر الرئاسي لاستلام التكليف من يد أردوغان وبالتالي يعترف بشرعيته؟
أردوغان رجل دولة ولا يمكن أن يتخذ مثل هذه القرارات بناء على مزاجه أو عواطفه، بل هناك أسباب أخرى وراء عدم تكليف رئيس حزب الشعب الجمهوري بتشكيل الحكومة. وعلى رأس هذه الأسباب أن حزب الشعب الجمهوري، بعد أن فشلت مباحثاته مع حزب العدالة والتنمية، لا يمكن أن يشكل حكومة ائتلافية إلا بمشاركة حزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي. وسبق أن أعلن حزب الحركة القومية رفضه بشكل قاطع أن يشارك في أي حكومة ائتلافية يشارك فيها حزب الشعوب الديمقراطي أو يدعمها من خارج الحكومة. وهذا يعني أن كلتشدار أوغلو لن يتمكن من تشكيل الحكومة حتى وإن تم تكليفه. وبالتالي، لا معنى لتكليفه بتشكيل الحكومة غير إضاعة الوقت.
الدستور التركي لا يجبر رئيس الجمهورية على تكليف رئيس الحزب الذي جاء في المرتبة الثانية بتشكيل الحكومة بعد فشل رئيس الحزب الذي جاء في المرتبة الأولى في هذه المهمة، إلا أن أردوغان لم يكن يمتنع عن تكليف كلتشدار أوغلو لو أن حزب الحركة القومية قد أعلن أنه يمكن أن يشارك في الحكومة معه أو يدعمه من خارج الحكومة.
ماذا كان بإمكان كلتشدار أوغلو أن يفعل لو كان أردوغان قام بتكليفه بتشكيل الحكومة؟ ربما كان سيحاول مرة أخرى أن يقنع رئيس الحركة القومية بالمشاركة في الحكومة ولكن دون جدوى، ثم يشكل حكومة أقلية ويقدمها إلى رئيس الجمهورية للمصادقة عليها، إلا أن أردوغان سبق أن صرح أنه لن يصادق على حكومة أقلية. حتى وإن صادق رئيس الجمهورية عليها لا يمكن أن تنال مثل هذه الحكومة ثقة البرلمان إلا بتصويت حزب الحركة القومية لصالحها.
الحكومة الجديدة تبدأ أعمالها وفقا للدستور بعد مصادقة رئيس الجمهورية عليها، ولكنها بحاجة إلى منح البرلمان ثقته لها حتى تستمر. وإن فشلت في الحصول على ثقة البرلمان تسقط إلا أنها تواصل أعمالها حتى تتشكل حكومة أخرى. وكان بإمكان كلتشدار أوغلو أن يستغل هذه الفرصة ليقود
تركيا على رأس حكومة أقلية، ولو لمدة أسابيع، دون أن تحصل حكومته على ثقة البرلمان، ولكن امتناع أردوغان عن تكليفه بتشكيل الحكومة حفظ البلاد والعباد من هذا الكابوس.
* كاتب تركي.