أول الحوارات "الخمس نجوم" في هذا الشهر، حوار وزير خارجية الشحوم الثلاثية، والقنابل العنقودية، والسارين، والكلور، مع فضائية مصرية انقلابية، أنكر فيها البراميل، وجمع ثلاث كذبات في كذبة ثلاثية المفعول، الكذبة تنقض أختها أنكاثا. زعم في الأولى أنّ الدولة يحق لها أن تستخدم الأسلحة المناسبة للدفاع عن نفسها، وهو اعتراف ضمني بالبراميل والسارين، والثانية أنّ الإرهابيين التكفيريين يستخدمون المدنيين دروعا بشرية، وكانت ذريعة إسرائيلية ماركة مسجلة، وتثير سخرية النظام السوري قبل شعبه، والثالثة هي أنّ الإرهابيين يختبئون في الخنادق تاركين المدنيين عرضة للصواريخ، وهو اعتراف ثالث بالقتل. المعلم يساوي الحكومة بالعصابات الإرهابية، مع العلم أنه يحكم "الدروع البشرية" وأنها شعبه. يجب أن نُوفِّ المعلم التبجيلا .. فقد كاد أن يكون برميلا.
الثاني هو حوار "لمعلم المعلم" مع فضائية لبنانية، المذيع في الحوار مصري، فالنظام يتوق للتطبيع مع أي دولة عربية، حتى لو كانت صحيفة أو فضائية عربية نائية! أهم ما في الحوار هو دفاعه عن السيادة السورية. راح ثلاثة أرباع
سوريا، وراح نصف الشعب قتلا، أو نزحا. "كل شيء ولا يقولوا أبو عمر تخلى عن السيادة يا خديجة". أظن أنها كانت آخر تمثيلية، كنية بطلها أبو عمر!
الحوار الثالث هو حوار رئيس مصر الجذاب الأنيق، حفار قناة السويس الجديدة والقبور الكثيرة، الطائر من دولة إلى دولة للتصور تذكاريا بجانب الزعماء، فالزعماء الكبار يشحنون بطارية الرئيس بالشرعية، وكان الحوار مع فضائية روسية، أهم ما يذكر من الحوار هو أنّ المذيع سأله عن أسوته في البيت والقدوة التي يكونها لأولاده، فأجابه باللهجة المصرية أيضا، مستعينا بحركة يديه وقال أقوالا مبهمة ... فهمنا منها أن الرجل مهموم بالوطن فقط .. "الوطن حضن" طبعا.
الحوار الأهم والأطرف ليس مع صاحب رواية القوقعة السورية الشهيرة، وإنما مع قريب طاغية، وابن جزار لا يشك السوريون، موالين كانوا أو معارضين بأنه جزار صلب متين. وأنه أمل الموالين.
قدمت الإعلامية العريقة في فضائية البي بي سي العريقة ابن عم الرئيس، وابن نائب الريس السابق، رئيسا لمنظمة الديمقراطية والحرية في سوريا، والأصح جغرافيا أنه رئيس منظمة الديمقراطية والحرية السورية، فهو ليس في سوريا، ولا المنظمة "الفخرية" طبعا، ولعله العضو الوحيد فيها. وكان لصاحبة المشهد، برنامج سابق على العربية عنوانه "بالعربي الفصيح" ، ثم عدّل بعد عدة حلقات إلى "بالعربي" معفيا من غرم الفصاحة ونعتها. اللبنانيون الفينيقيون يقدمون لهجتهم دائما على الفصحى، علما أن الفضائية سعودية وليست لبنانية.. التعديل حالة نادرة إعلاميا، وقد تم لصالح فينيقستان.
هل كان المشهد حوارا أم نجوى؟ أول الملاحظات هي أن عينيّ الضيف ترفان كثيرا، ولا يعرف سبب الرفرفة، هل هو مرضيٌ أم قلقٌ على مستقبل سوريا؟ لم يجد النقاد مناسبة للحوار في الفضائية العريقة، ناسين أن أكثر من دولة عظمى تبحث عن بديل للأسد، وفي الوقت نفسه تداول النشطاء حوارا ساخنا بين الضحية والسجين السابق محمد العبد الله، وبين ابن الجلاد في إحدى قاعات واشنطن، الضحية في صفوف الشعب، والجلاد على السدة يحظى بالتكريم، ودفاع مدير الحلقة. عنوَن أنصار الثورة المشهد المقتطع بين محمد العبد الله، وأسد الأسد بهذا العنوان: محمد العبد يمسح بابن رفعت الأرض. أما أنصار "الحرية والديمقراطية" فعنونوها بعنوان آخر هو: ريبال يرد على الجاهل محمد العبد الله!
"البي بي سي" ترمي إلى القول إن في سوريا، بل في أسرة الأسد مناضلون وفرسان وقادة. خطاب القائد الجديد عادي، لغته عادية، وبسيط، فهو بلا كرافة، وشعبي .. صوت المضيفة رخيم، أسئلتها ناعمة، لطيفة، مناغية.. الضيف يوافق على وجود المذابح والتعذيب في السجون السورية، لكنه يرفض اتهام أبيه المناضل الديمقراطي، وعمه المسكين المرحوم، ويفضل الحديث على الإخوان الذين كانوا يَقتلون على الهوية ( وبنوا سجون تدمر وفرع فلسطين وحكموا سوريا أربعين سنة ..) ويبرئ أباه، وعمه الرئيس. يصف البلد بالدكتاتورية، لكنه يواظب على الترحم على الرئيس المسكين.. رحم الله سمير قصير . الخلاصة هي أن المشهد قدم الضيف مناضلا، عاش في رعب من الطرفين: الإخوان المسلمين، والإخوان المستلمين الذين دفعوه للخروج من البلاد، وتسليم الشاليه العرين الذي كان يناضل فيه. ذكَّر المضيفة بأنهما ضحايا مثل بعضهما، والدليل نهر البارد. أما البراهين على براءة الأب القائد الديمقراطي، فهي تخلي الأردن عن المخبرين المجندين لقتل شخصية أردنية واعترفا بجريمة تدمر "تحت التعذيب" كما زعم. عدالة الأردن عدالة كاملة! نفى تهمة محاولة الانقلاب عن أبيه. يذكر أصدقاء الأب أن الأمر الوحيد الذي ندم عليه هو أنه لم يتم الانقلاب. الرئيس ضحية، هو يقود دكتاتورية، لكنه ليس سوى طرف من أطراف الحكم الكثيرة: الحزب، القيادة الأمنية.. إنها نظرية( الرئيس ممتاز بس اللي حواليه ..) وهي عبارة تتكرر دعاء في خطب الجمعة الرسمية على ألسنة خطباء السلطان: اللهم ارزقه البطانة الصالحة.... الإشارة الثورية الوحيدة في المشهد هي لرواية القوقعة، فقد نصحت المضيفة المثقفة ضيفها السوري بقراءة رواية سورية شهيرة ممتعة ومسلية..!
ذكرت المضيفة في المقدمة أن الضيف رئيس منظمة أخرى هي "منظمة إيمان لحوار الأديان ومحاربة التطرف"، بعد مشاهدة برنامج "المشهد" امتلأت صفحات الفيس بوك بدعوات التطرف، وانطلقت دعوة لمقاطعة البي بي سي العريقة.
قرأت مقالين حول المشهد وضيفها الطارئ؛ أحدها كان عنوانه عاطفيا، يذكر بالملاحم الشهيرة مثل عنترة وعبلة، وقيس وليلى :"جيزيل وريبال". وذكر مقال ثان أن المذيعة العريقة ابنة جارة سوريا وشقيقتها التوأم، وتجهل تفاصيل الشأن السوري! نعم إنها تجهله، كما قال عمرو بن كلثوم، لكن فوق جهل الجاهلينا.
ختمت أرملة سمير قصير الحوار بالمسك، فهي مثقفة وتعرف معنى الرئبال. تقول له مع ابتسامة كريمة تطمع الذين في قلوبهم مرض: أنت أسد الأسد!! نحن نقول: وأنت غزال الأسد! ملخص الرؤية البريطانية للمشهد: الخلاف عائلي والخؤولة فازت على العمومة، ونحن وقعنا بخفيسة التطرف.