بعد حملة واسعة ضجت بها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال
سوريا، للتوقف عن التعامل بالليرة السورية، والتحول إلى استخدام
الليرة التركية، تم إقرار استخدام الليرة بموافقة جهات رسمية في المعارضة في محافظتي حلب وإدلب، وبالفعل تم تسليم الرواتب بالعملة التركية مؤخرا، وبدأ التعامل بها ولو بشكل جزئي ضمن هذه المناطق.
ولكن هناك من يرى بأن الموضوع لم يدرس بالشكل الاقتصادي الحقيقي، بل درس بمنظور سياسي لا أكثر، وبنظرة ترى تشابك العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الشمال السوري والمدن التركية المحاذية له.
ويبدو أن من طرح الفكرة لم يكن في حسبانه الهبوط الأخير الذي تعاني منه الليرة التركية بعد الأزمة السياسية في البلاد، التي تتعلق بتشكيل الحكومة، أو بالتحرك العسكري التركي الجديد ضد تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني، الأمر الذي دفع ببعض السوريين ممن لا زالوا يدخرون بعض المال، إلى تحويل أموالهم التي كانت بالعملة السورية، ومن ثم بالتركية، إلى
الدولار الأمريكي، خشية هبوط مفاجئ لليرة التركية يتجاوز الحالة الراهنة.
ويقول أيمن، وهو أحد المهتمين بالموضوع من ريف حلب الشمالي، إن "الفقراء الذين لا يملكون شيئا لا يعنيهم الموضوع، ولا يرون أنه محط نقاش بالنسبة لهم".
ويضيف لـ"عربي21": "لست مع أو ضد استخدام الليرة التركية، لكنني أستغرب من أن الأشخاص ذواتهم، الذين تحمسوا للفكرة وروجوا لها وكان لهم دور حقيقي في استخدامها، بدأوا اليوم يحولون ما يملكون من مال بالليرة التركية إلى الدولار الأمريكي، ويقولون إن الليرة التركية على كف عفريت، وقد تهوي بشكل غير متوقع، والأفضل هو تحويل ما نملك إلى العملة الأمريكية التي تحافظ على ذاتها من عشرات السنين، والتي إن تغيرت قيمتها فلن يكون التغير كبيرا ومؤثرا".
أحد صرافي العملة في الشمال السوري، ولقبه "أبو صطيف"، علق على الموضوع بالقول: "بالفعل فقد بدأ الكثير من الأهالي ميسوري الحال بالتوافد إلى محلي المتخصص بالصرافة، لتحويل ما يملكون من المال، سواء بالعملة التركية أو السورية إلى الدولار أو اليورو".
وأوضح أن "الإقبال على الدولار أقوى بكثير من الطلب بالنسبة لليورو، فمعظم هؤلاء يثقون بثبات قيمة الدولار الأمريكي، ويعتبرون أنه أفضل من كل شيء، بينما البعض يحولون ما يملكون إلى ذهب".
لكن أبو صطيف يستدرك بالقول: "لا تصلني مبالغ كبيرة كما تتخيلون، فحتى ميسوري الحال قد أصبحوا ضمن الطبقة المتوسطة، ولم يتبق أغنياء في مجتمعنا خاصة في الداخل".
ويضيف: "لكن حتى من يبلغ كل من يملك 300 أو 400 دولار حرص على تحويلها. أعتقد أن من يقومون بذلك ليسوا مخطئين، فالليرة التركية بدأت قيمتها بالهبوط، ومن يدري؟ قد تسوء الأوضاع ويخسر أولئك باقي ما يملكونه من مال".
وحسب ما أكده "أبو صطيف" في حديثه لـ"عربي21"، فإن قيام الأهالي بتحويل أموالهم إلى الدولار الأمريكي، وأحيانا إلى الذهب، هو أمر موجود منذ أكثر منذ ثلاثة أعوام، وليس جديدا أبدا، لكن الجديد هو تحويل العملة التركية "اللي ما سخن تحتها لسا"، ويقصد التي تعد حديثة التداول في مدن وبلدات شمال سوريا.
يعود الدولار بعد فترة بسيطة من تداول العملة التركية إلى فرض وجوده في كل مكان من سورية، حتى أهالي المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام يحرصون على أن تكون مدخراتهم بالعملة "الصعبة"، ويرون أنها كالذهب، لا تتغير قيمتها إلا بفروقات بسيطة غير مؤثرة.
ويتساءل البعض بسخرية: "هل سنقبض على رأس الشهر بالدولار أم بالتركي"، فيما يبدو أن المعشوق الأخضر الذي أغرى الكثير من السوريين خلال سنوات الثورة أنه سيبقى محببا وأنيقا وأخضر نضرا.