يقف الضابط مبتسما على باب القاعة يفحص تذاكر الضيوف ثم يسمح لهم بالدخول.
في داخل القاعة تجد المقدم عماد يرشدك إلى طاولتك، حيث تشاهد الفقرة التي تقدمها إحدى الراقصات على أنغام دي جي يصاحبها مطرب مغمور مشروخ الصوت.
الجنود يرتدون زيا مدنيا ويقدمون لك زجاجات المياه الغازية مع انحناءة خفيفة.
مدام ميمي زوجة اللواء مصيلحي قائد الدار, تجلس قريبا من خشبة المسرح، تراقب في رصانة حركات الرقص التي تؤديها الراقصة وتبتسم في رضا، وإلى جانبها مجموعة من زوجات الضباط الصغار، يراقبن العرض بعيون زجاجية، بينما مدام المقدم جمال تتراجع برأسها إلى الخلف وتعدل وضع خصلة الشعر المصبوغ، الذي التصق بجبهتها بفعل العرق في تأفف واضح وتتململ في مكانها.
في ركن القاعة يقف اللواء مصيلحي مع بعض الضباط العاملين في الدار يشرف شخصيا على ترتيبات القاعة، ويراجع بنفسه تفاصيل (الأوبن بوفيه)، بينما يسرع إليه ضابط صغير في احترام مقدما له كشفا، ينظر إليه اللواء مصيلحي باهتمام ثم تنفرج أساريره في رضا عن حصيلة تذاكر الليلة، ثم يتساءل عن حصيلة بيع الجاتو والمشروبات والعصائر.
المقدم لطفي الطرابيشي مسؤول الكوافير، ينتظر حتى ينتهي من حديثه مع ضابط الجاتو، ليقدم له ملخصا شفهيا عن دخل الكوافير، مبديا إعجابه بالكوافير الجديد سيد سرنجة الذي تتهافت سيدات المجتمع على تسريحاته، ثم يتطرق إلى النواقص في الكريمات وصبغات الشعر وطلاء الأظافر.
ينتهي مصيلحي من الإشراف على التفاصيل ويحسب دخله من الليلة بعد أن يطمئن على أن الراقصة حصلت على أجرتها بالكامل، ثم يسير وحده عاقدا يديه خلف ظهره كالجنرالات (زي ما الكتاب بيقول).
ينظر شاردا إلى اللافتة الكبيرة المضاءة بالنيون عند مدخل دار المشاة، والكلمات المكتوبة بخط كبير فوقها: (صرح متكامل يهدف إلى تقديم الخدمات كافة للشعب
المصري العظيم).
ينتبه لإحدى التفاصيل الناقصة، وينادي بصوت جهوري على أحد الجنود .. يا تامر.
يأتي تامر مسرعا، يلقي إليه مصيلحي مجموعة من الأوامر العسكرية في كلمات تنطلق من فمه كالرصاص، شأن من تمرس في ميادين القتال.
كلمة جاتو تتكتب تاني
زود كلمة رجالي ما ينفعش، كوافير حريمي وحدها
يؤكد مصيلحي ضرورة تجهيز أفيش الراقصة الجديدة
وتامر يستمع إليه في احترام ويهتف في طاعة تعلمها من خدمته العسكرية في الدار (أوامرك يافندم).
هاتف اللواء مصيلحي يرن، يرد عليه ليجد زميله اللواء لمعي يبشره بزيادة جديدة في رواتب الضباط.
تتهلل أساريره ويشير بيده لتامر لينصرف ويستفسر من زميله عن تفاصيل الزيادة الجديدة.
لم يكن من الممكن أن ينشأ هذا الصرح الاقتصادي الضخم الذي يدير مصيلحي أحد فروعه، لولا انقلاب 1952، ولم يكن من الممكن أن تستمر شركة الجيش العسكرية وسلسلة المطاعم والكباريهات العسكرية وقاعات الأفراح ومحلات الحلويات وشركات المقاولات وشركات إدارة مناجم الدولة، لولا سهرة 30 سونيا التي أعادت مصر إلى براثن تلك العصابات التي استولت على مصر منذ انقلاب 52.
لم يكن من الممكن أن تستمر مصر كمستعمرة صغيرة تابعة للبنتاغون منذ انقلاب 1952 يعمل أهلها في خدمة العسكر، لولا الإعلام العسكري الذي عمل على غسل الأدمغة حتى تحول البعض إلى زومبي.
تحولت مصر إلى حقل تجارب يحكمه ساقطون يتلقون أوامرهم من البنتاغون، ويلتقي بهم الرئيس الأمريكي كل فترة بصورة فولكلورية لإعطاء المستعمرة شكل الدولة.
الصراع باختصار هو صراع تحرر، و ليس فقط انقلابا أهدر فيه العسكر أصوات ملايين المصريين و اختطفوا الرئيس المنتخب حفاظا على مصالحهم الاقتصادية.
الإعلام هو الذي قام بأكبر عملية خداع استراتيجي أو إن شئت بأكبر عملية تجميل لتلك الشركة التي يقودها مرتزقة، ويستعبد فيها المصريون بنظام تجنيد إجباري، ليتحول مديرو الكباريهات وضباط الكانتين وسلاسل محلات الجاتو والكوافيرات العسكرية إلى (خير أجناد الأرض) في نظر المواطن الزومبي.
الإعلام هو مفتاح الحل، ويجب على الإعلام الرافض للانقلاب الكف عن التعامل مع جيش المعونة الأمريكية على أنه (بقرة مقدسة) لا يجوز الحديث عنها، ووضع استراتيجية حقيقية محكمة لكسر الحصار الإعلامي وإيقاظ المواطن الزومبي من غفلته.