سامحوني حين أخاطبكم بضمير المخاطب (أنتم)، وما هي إلا (نحن)، و(نحن) لسنا إلا شيئا واحدا، روحا واحدة في أجساد متعددة، حالا واحدة في ليلة بغيوم الظلم ملبدة، لكننا لسنا سواء، فمقامكم أعلى وقيمتكم أغلى، وعلى الرغم من أنكم في الظاهر قد فقدتم حرية هذه الأجساد، إلا أن تحرر أرواحكم ومتانة عزائمكم وما نراه من معجزات صمودكم تجعلنا نشعر بالتضاؤل أمام الجبال الرواسي الشوامخ، نشعر أن النصر مخزون في أيديكم، وأنه نازل علينا وقت تحرركم وعودتكم إلينا..
أيها الأبرار في زمن الفجار...
أعلم وأشعر كم أنتم في كرب وضيق لا يعلم قدرهما إلا الله، وكم هي غالية وباهظة تلك الضريبة التي تدفعونها نيابة عنا وبدلا منا جميعا، حتى إنكم لتبذلونها كرمًا ونخوةً عن كثير ممن يحاربونكم اليوم ويحرضون عليكم السفاحين والجلادين. لكن هذا لأنكم لا تواجهون الحقد الأعمى إلا بسخاوة النفوس الطاهرة، ونقاء الضمير الحي.. وأعلم أن الشهور والأيام والساعات التي تمر عليكم في هذا الضيق الشديد، وأنتم تتقربون إلى الله تعالى بها، وتحتسبونها لوجهه الكريم، وتفتدون بها خير أمة، وترفعون بها قيم خير ملة، وتجاهدون بها كل شيطان مريد.. أعلم أن هذه الساعات الطوال قد اختلط مرارها وقبح القائمين عليها بالعزم والصبر الجميل منكم.. فصبر جميل.
أيها الأحرار من وراء الأسوار
أيتها الأخت والابنة التي غيبك عنا وراء القضبان الغليظة خونة أنذال، في لحظة عز فيها معنى الرجال.. أنتن الرجال، والأبطال.. وعما قريب نغسل هذا العار عن وجه الوطن، ونعدكن بالقصاص لكل لحظة غيبوكم فيها.. يا إسراء، يا أبرار، يا ماهينور، يا سناء، .. أيتها الأمهات والطبيبات والطالبات والثائرات.. أيتها الشريفات العظيمات في زمن انقلاب القيم، أيتها الحرائر في زمن الكلاب.. إن الإيذاء الذي وقع عليكم ينهش فينا ولا يدع لحياة أو عيش طعما ولا قيمة حتى نقتص لكم، ويذوق كل متعد خسيس جزاء تعديه وخسته.. فحتى يكون ذلك تقبلوا اعتذارنا عن أخطاء وعجز، وادعوا الله لنا يقدرنا على إكمال المشوار..
أيها القادة الكبار، أيها الشباب الأكابر، أيها الأطفال العظام البواسل، وراء الجدران الصلبة.. أنتم أصلب وأقوى، وبعون الله لن يطول أسركم، وسيزول كربكم بإذن ربكم، وستنتصر ثورتكم المتوقدة في نفوسكم، وسنكمل معا مشوار تحرير الوطن مهما كان الثمن، ولن يرتاح لنا بدن حتى تعودوا ويعود الوطن.. هذا عهد ودين لكم علينا.. والثورة عهد ودين.. يا صهيب يا طالب العلوم السياسية، يا عبدالله شحاته أيها الزميل أستاذ الاقتصاد.. يا شيخ أنس يا شيخ العمود، يا علاء عبد الفتاح، يا أحمد ماهر، يا محمد عادل، يا شباب الثورة.. يا عصام، يا ابو العلا، يا بلتاجي، يا ثلاثي رمز الرجولة، يا سيادة الرئيس، يا سيادة رئيس مجلس الشعب، يا سيدي الخضيري، يا شيخ حازم، يا ابو البخاري، يا مجدي قرقر، يا دكتور محمد بديع، يا صفوت عبد الغني، يا شيخ عبد الله بركات،... يا كل من وراءهم..الأسماء ترد على ذهنى عفو الخاطر فهناك كثيرون يستحقون الذكر.
يا هذه الآلاف التي تؤكد أنه لا يزال في بلادنا خير، إلى هؤلاء من أعرفهم ومن لا أعرفهم ، الخير لا يزال يجري في شراييننا، يا أيها العلماء الأجلاء، ويا طلاب العلم، يا أيها الثوار العظام.. أبشروا وأملوا ما يسركم وييسر عليكم: "فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا".
إن هذا الانقلاب اللعين ومن وراءه من عديمي القلوب والعقول يريدون أن يكسروا إرادتنا، يكيدون كي تنفد طاقتنا، يحلمون بيوم نعلن فيه أن عزيمتنا قد فترت، أو أن قوانا قد خارت.. وإن ابتساماتكم التي تقهر الألم تقهر أحلامهم وتبدد أوهامهم، وإن قسمات وجوهكم من وراء القضبان تردع تبجحهم، وتهزمهم في عقر نفوسهم.. إن صبركم على التنكيل والتعذيب، وإصراركم بعد عامين من الاستباحة والتوحش، يعلن من كل وجه أن انقلابهم إلا زوال، وأن المسألة لن تحسم إلا لصالح الحق والعدل والحرية..
لقد كتبت محنتنا ومحنتكم شهادة وفاة حقيقية لهذه المنظومة القضائية المتعفنة، التي رضيت بالدون من أمرها، وأن تكون مطية لانقلاب عسكري دموي وحشي غير مسبوق، وسوف يأتي قضاء يقضي على فسادهم وكسادهم.. ولكن قبل ذلك أنتم كشفتم عوارها وفضحتم سرها: لا قانون ولا قضاء ولا علم ولا فهم ولا ضمير ولا نزاهة ولا استقلال ولا حتى قدرة على الكلام... اللهم إلا مقدرة فائقة ومتبجحة على تلاوة الأوامر العسكرية، وبلهجة عسكرية، وبنظرات عدائية، جعلت من منصات القضاء منصات قصف لما تبقى في الوطن من أطلال، ... لن ننسى أبدا كيف بدا قضاة العسكر بين أيديكم مرتعشين مرتجفين.. ما زادنا يقينا أننا على الحق وأنهم زائلون..
أيها الأحرار ... كلنا إصرار على إكمال المشوار
ليس هذا رثاء لحالكم وحالنا ولا بكاء على محنتنا جميعا، فما ينفع الرثاء ولا البكاء، إنما هي رسالة اعتزاز واعتذار، وبيان عهد ووعد؛ أن نكمل المشوار، مهما طال أو كثرت فيه العثرات.. إننا ندفع الأقدار بالأقدار، وندفع اليأس بالإصرار، ونستلهم من صمودكم في مواقعكم ثباتا في مواقفنا، ومهما جدت علينا من خبائث الانقلاب وغدراته وفجراته، فلن نتراجع، ولن نتنازل، ولبس من بقي منا بأغلى ممن سبق، وكلنا يقين أن رب العالمين لن يترك الباطل يعلو ويزهو، إنما يمهل ويملي ويستدرج الظالمين.. وسيعلم الذين ظلموا اين منقلب ينقلبون..
أيها الأحرار..
شدوا أزرنا، وجددوا ثقتنا في النصر، وردوا علينا هذه الرسائل بالدعاء الذي لا ينقطع، وبالرجاء الذي يحفزنا ويثبت أقدامنا..
عما قريب نلتقي ويحتفي بنا الوطن والزمن، وينكر كل صنم ووثن، ونجني جميعا ثمرة الإصرار على استكمال المشوار، ونفرح بالفرج والانتصار..
أيها الأحرار وراء الأسوار ... بكم و(معًا) و(بتحرركم) بإذن الله سنكمل المشوار.