تكشف المحن معادن الرجال الحقيقية، لاسيما إذا كان هؤلاء الرجال من علماء القوم أو هكذا اعتبرهم الناس، وخلعوا عليهم أرفع الدرجات العلمية، وأسكنوهم أعلى مراتب التوقير والتقدير، حتى ظن بعض مريديهم أنهم أنبياء معصومين عن كل خطأ وزلل، وأن لحومهم مسمومة حتى وإن فُتنوا في دينهم ودنياهم!.
سقط بعض علماء السلفية (المظهرية) في اختبار المحنة حينما سكتوا عن انتهاك حرمات الله جهارا، على نحو فج لا يحتمل الشك والريبة، على الرغم من أنهم صدعوا رؤوسنا سنوات طويلة بضرورة
الغضب إذا ما انتهكت محارم الله، مستشهدين بآيات من كتاب الله العزيز، وأحاديث شريفة صحيحة تبشر المؤمن التقي، وتتوعد الفاسق الدعي.
اعتاد متابعي ومحبي الشيخ
محمد حسان على مواكبته للحدث أولا بأول إذا ما تعلق الأمر بأمور الشريعة والعقيدة والفقه، ودفاعه بكل حماسة وغيرة عن حياض الإسلام، أو هكذا عهدناه، وما إن جاءت لحظة الفرز والتمحيص حيث المحنة والابتلاء، لم نجد الشيخ إلا هرابا منسحبا بكل خذلان من معركة الضمير الإنساني قبل ضمير العالِم الرباني.
انتظرت وانتظر الكثيرون أن يرد الشيخ حسان على بذاءات المدعو "توفيق عكاشة"، الذي لعن الصحابي الجليل سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على الهواء مباشر ، لعل وعسى أن نسمع له صوتا يغار فيه على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين لطالما دافع عنهم سابقا بصوته الشجي، وبلاغته المعهودة، ودمعته الرقراقة، في أشرطة كاسيت كثيرة، وحلقات تليفزيونية عديدة!– لكن ذلك كان في زمن الدعوة في السراء، وفي الغرف المكيفة، وتحت أعين رفقاء الأمن، أما في زمن المحنة والضراء فلها رجال آخرون!.
لم يستطع شيوخ الصمت أمثال محمد حسان ومحمد حسين يعقوب ومصطفى العدوي وغيرهم التحدث ببنت شفه عن الإساءات المستمرة والمتعمدة للإسلام عقيدة وشريعة التي ترعاها السلطة، في الوقت الذي كان يتم فيه التعريض بالرئيس المختطف محمد مرسي وجماعة
الإخوان المسلمين، والغمز واللمز تصريحا وتلميحا في كل ما يتعلق بمسلكهم الشرعي، ورؤيتهم الفقهية للواقع الإسلامي، بل وصلت حد الطعن في دينهم من الأساس، وأنهم منحرفون عن جادة الدين.
متى يتكلم شيوخ الصمت الذين جعلوا "اطلاق اللحية" في قمة الأولويات، وكأنها ذروة سنام الإسلام، ولبس الجلباب أهم وأغلى من دم المسلم وشرفه؟! – حتى اللحية باعوها في أول اختبار للمحنة، ولنا في قضية الضباط الملتحين المثل الفج في الخذلان، عندما اعتبر "على نجم" أحد المتحدثين باسم حزب النور بأن الناس يحتاجون إلى الطعام والشراب أكثر من اللحية، فتبين جليا أنهم تاجروا بها لابتزاز الرئيس مرسي، واظهاره بصورة المتخاذل لقضايا الشريعة، ذلك أنهم مع قطاع ليس قليلا من السلفية (الظاهرية الأمنية)، مازالوا يعتبرون الإخوان المسلمين العدو والخصم في الدعوة إلى الله من باب المثال الشعبي (عدوك ابن كارك)، ويعتقدون أنهم أصحاب الحق الحصري في الدعوة دون الآخرين، لاسيما إذا كان هؤلاء الآخرين من الفئة الضالة المضلة التي تسمي (الإخوان المسلمين)، تماهيا وتناغما مع النظرة الأمنية للسلطة الحاكمة.
لماذا بلع شيوخ الصمت ألسنتهم إزاء موقفهم الحاد والحاسم من الشيعة وفتنة التشيع التي كادت تجتاح
مصر إبان عصر مرسي والإخوان في عصر السراء كما زعموا، وسرعان ما انتهت في عصر الضراء زمن الحاكم الغشوم؟! – إنه الانبطاح والجبن والنفاق والخوف على المكاسب والمنافع الدنيوية التي جنوها من التحالف مع الأجهزة الأمنية، اتقاء لغضب الحاكم بأمره أو الحاكم المتغلب الشرعي بنظرهم، فاختاروا أخف الضررين كما يزعمون، فتعاملوا مع الرئيس مرسي من منطلق المقولة "من أمن العقوبة، أساء الأدب".
ما رأي شيوخ الصمت في انتهاك حرمات المساجد، ومنع الاعتكاف، ومنع الدعاء (الذي هو مخ العبادة) على الظالمين، وحكم الرقص أمام لجان الانتخابات؟! وما رأيكم في منع لافتات الصلاة على النبيّ وكأننا في بلاد الكفر والإلحاد الذي لا يخرج صاحبه من ملة الإسلام كما قال ولي أمركم في احتفالات ليلة القدر؟!، وما رأيكم في الثورة على التراث الإسلامي (قرآن وسنة نبوية صحيحة)؟!
لماذا لا يتكلم شيوخ الصمت عن الانتهاكات وجرائم القتل، اللهم إلا إذا تعلقت بالجيش والشرطة، وما إن تعلقت بأحد النشطاء والمعارضين للنظام، تبخروا في الهواء، وادعى بعضهم المرض والإعتكاف، ووضعوا أصابعهم في آذانهم، لاسيما إذا كان الضحية (إخواني مارق خارج على ولي الأمر)؟!، أما إذا كانت الضحية عسكرية أمنية، خرجوا من اعتكافهم، وبرأوا من أمراضهم، ليعلنوا كامل تضامنهم مع الدم العسكري الذكي.
لماذا لم ينتفض شيوخ الصمت والخذلان دفاعا عن المسجد الأقصى الأسير (أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي) تحت سنابك دبابات العدو الصهيوني المجرم عقود طويلة من الانتهاك والاحتلال، في الوقت الذي انتفض حسان، وخرج من عزلته دفاعا عن القنصلية الإيطالية؟!، ذلك أن سجل دعوتهم يكاد يخلو من نصرة الجهاد والمقاومة الفلسطينية ضد المحتل الصهيوني، فلا تسمع غير التسفيه والتحقير لمعنى وقيم جهاد المحتل، وكأنهم في خندق واحد مع العدو– أدماء الأجانب أعز عليك من دماء اخوتك في الدين والدم وبني جلدتك في مصر ، وفلسطين، وسوريا ، والعراق ، وشمال مالي، وأفريقيا الوسطى، وبورما ؟! – ألا تغضبون؟! – فإذا لم تغضبوا لدينكم ودماءكم فمتي يكون الغضب؟!
كلامي ليس موجه بالطبع لعموم التيار السلفي الواسع والمتنوع، إذ أن ما أقصده هو من يتصدر المشهد السلفي، أو ما يتم التعمد بتصديره للجماهير من شخصيات بعينها على أنهم هم عموم
السلفيين، وهذا مخالف للواقع، حيث أن قطاعا كبيرا من السلفيين، انشق عن حزب النور المنبثق من الدعوة السلفية (الإسكندرية) قبل انقلاب 3 تموز/يوليو، وانضموا لصفوف الثوار في رابعة والنهضة، بعدما اكتشفوا حجم الخديعة الكبرى التي تعرّضوا لها في قياداتهم الذين شكلوا الخنجر(المتأسلم) في ظهر التجربة الإسلامية ليس في مصر وحدها، بل في المنطقة العربية والإسلامية كلها، عبر تحالفهم القديم الجديد مع الأمن، فضلا عن التيار العلماني في ما سمي" جبهة الانقاذ" أو جبهة خراب مصر.
على الشيخ حسان ورفاقه من شيوخ السلفية المظهرية أن يحددوا موقفهم، فقد انكشف المستور، ولم يعد ما يستر عوراتهم، فإما أن يصدعوا بكلمة الحق في وجه سلطان جائر حتى لو كلفهم رقابهم الرخيصة في سبيل الله، وإما أن يعلنوها صريحة، نحن أجبن من أن نواجه الباطل، فجهادنا وبضاعتنا في الغرف المكيفة، فقد يكون أشرف لهم وأشفع من أن يُوصفوا بخيانة الأمانة، والنفاق.. ألا تخجلون؟!، ألا تغضبون؟!.