كـان بارزا غياب التغطية الإعلامية من قبل
القنوات الفضائية
الفلسطينية للأحداث التي شهدها المسجد
الأقصى المبارك الأحد الماضي 26 تموز/يوليو، والتي أصيب خلالها عشرات المرابطين خلال اقتحام قوات الاحتلال ومستوطنين باحات المسجد، في أحدث موجة عنف تمارس ضد الفلسطينيين في القدس.
المتابع للتغطية الإخبارية لحظة وقوع هذه الأحداث لاحظ غيابا شبه كامل من قبل القنوات الفلسطينية.
وقناة القدس الفضائية هي القناة الفلسطينية الوحيدة التي أفردت مساحة واسعة من التغطية تضمنت نقل مشاهد مباشرة من داخل المسجد الأقصى لحظة وقوع المواجهات، كما استضافت مسؤولين وشخصيات وناشطين للتعليق على ما يجري. وبهذا سجل لقناة القدس تميزها في نقلها الفوري للحدث.
لكن، في معركة مثل هذه لا يكفي وجود منبر إعلامي فلسطيني وحيد لتسليط الضوء على ما يجري.
بالنسبة للقنوات الفلسطينية الأخرى كانت المواضيع التي تبثها خلال ذروة الأحداث في المسجد الأقصى على النحو التالي:
قناة فلسطين الرسمية كانت تنقل مباشرة "قداس الأحد من كنيسة دير اللاتين في رام الله"، دون ورود أخبار عاجلة على الشاشة.
قناة فلسطين الرسمية (مباشر) كانت تبث برنامجا مسجلا يبدو أنه عن التعليم.
- قناة فلسطين اليوم كانت تبث برنامجا مسجلا عن الأسرى مع ورود أخبار العواجل على الشاشة بين الفينة والأخرى.
- قناة الأقصى كانت تبث برنامجا صباحيا وتتحدث عن "القيم التنموية في الأمثال الشعبية"، مع ورود أخبار عاجلة بشكلة متقطع.
- قناة "معا" كانت تبث برنامج أطفال دون أخبار عاجلة.
- قناة الكتاب كانت تبث برنامجا مسجلا.
- قناة (48) كانت تبث برنامجا حواريا سياسيا مسجلا.
هذا السبات العميق من قبل معظم القنوات الفلسطينية في التعاطي مع الأحداث المستعجلة خصوصا في القدس والأقصى ينذر بخطورة بالغة تتمثل في عدم قدرة هذه القنوات في نقل ما يعانيه الفلسطينيون في كل مكان خصوصا في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
إذا، لماذا تغيبت القنوات الفضائية الفلسطينة عن تغطية أحداث الأقصى؟!.
قد تكون الإجابة عن هذا السؤال من ضمن النقاط التالية:
أولا: توجه سياسي لدى القنوات التي غابت عن الحدث بعدم التعامل مع ما يجري في القدس والأقصى.
هذا أمر مستبعد بشكل كبير، ذلك يعود إلى أن مواقف الفصائل الفلسطينية كافة إزاء ما يحدث في القدس متفقة على نهج واحد وهو نبذ الإعتداءات وتسليط الضوء عليها إضافة إلى دعم صمود المقدسيين والمرابطين.
وعليه فإن مثل هذا الحدث لا يختلف عليه إعلاميان فلسطينيان في ضرورة التركيز عليه وإبرازه.
نحن هنا لا نتحدث عن مؤتمر صحفي لحركة حماس أو خطاب لرئيس السلطة محمود عباس أو اعتصام لأهالي المعتقلين السياسيين في الضفة، فمثلما تتماشى هذه المواضيع مع سياسيات بعض القنوات الفلسطينية تتعارض مع سياسات قنوات أخرى.
ثانيا: سوء تقدير من قبل قنوات فلسطينية حيال تعاطيها مع ما جرى، نتيجة عدم إداركها لأهمية وخطورة ما حدث من مواجهات في المسجد الأقصى المبارك.
وهذا أمر مستبعد أيضا، على اعتبار أن كل فلسطيني (ليس فقط الإعلاميون) مدركون تماما أن ما يحدث في القدس والأقصى له تداعيات خطير عليهم.
ثالثا: قلة الإمكانيات والكوادر العاملة في القنوات الفلسطينية التي غابت عن الحدث. إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن المواجهات في الأقصى وقعت منذ ساعات الصباح الباكرة، وهي فترة عادة ما تكون خالية من العاملين خصوصا عند القنوات التي تعتبر كوادرها محدودة، وبالتالي لم تكن قادرة على البدء بتغطية مباشرة للأحداث.
هذا أمر أيضا مستبعد، على اعتبار أن المواجهات استمرت لساعات وعليه فإن أي قناة يمكن أن تستدرك الحدث وتواكبه ولو متأخرة.
رابعا: ضعف التخطيط الإخباري الفلسطيني للأحداث.
دعوات المتطرفين اليهود لاقتحام الأقصى كانت قبل يوم 26 من الشهر الجاري بأيام عدة، وعليه فإن الحدث كان متوقعا، ولو كانت القنوات التي غابت عن الحدث تخطط بشكل جيد لما غابت عن الحدث وكأن شيئا لم يكن.
خامسا: غياب الحرفية الإعلامية لدى معظم القنوات الفلسطينية.
وفي هذا نقول إنه قبل السؤال عن غياب التغطية الإخبارية لأحداث الأقصى، علينا أن نتسأل عن أهمية التغطية بالنسبة للفلسطينيين.
المنطق يقول إن الإعلام الفلسطيني يسعى إلى فضح جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين في كل مكان، ضمن إستراتيجة مبنية على وضوح في الأهداف والخطط.
ومن شأن تحقيق ذلك أن يكون للإعلام الفلسطيني تأثير واضح في مجريات الأحداث.
لكن هذا الأمر للأسف ليس موجودا لغياب الحرفية الإعلامية لدى الكثير من المؤسسات الإعلامية الفلسطينية.
في المقابل لو طرحنا السؤال التالي: كيف سيتعامل الإعلامي الصهيوني مع أي حادثة اعتداء على مستوطنين أو قتل جنود؟.
وقتها سنشاهد معظم القنوات الإسرائيلية تتابع الخبر أولا بأول وتحرك كافة طواقمها على الأرض لتسليط الضوء عليه، وإبرازه بشكل كبير.
ونذكر التغطية الإخبارية للإعلام الإسرائيلي لحادثة خطف مستوطنين في الخليل قبل أكثر من عام، وحوادث عمليات الطعن التي استهدفت جنودا ومستوطنين.
ونذكر أخيرا كيف تعامل الإعلام مع ما كشف عن وجود أسيرين لدى حماس في غزة.
من هنا لا بد للإعلام الفلسطيني أن يتعامل بمسؤولية أكثر في التعاطي مع الأحداث الاخبارية ويسأل نفسه لماذا هو موجود أصلا؟.
لابد للإعلام الفلسطيني وخصوصا القنوات الإخبارية الفلسطينية أن ترقى إلى مستوى الأحداث التي تواكب القضية الفلسطينية.
يكفينا أن الإعلام الرسمي العربي والإعلام الغربي والوكالات العالمية تدرج الاعتداءات ضد الفلسطينين من قبل الاحتلال ضمن آخر أولوياتها.
ويكفينا أيضا أن هناك صمتا رسميا عربيا وإسلاميا لما يحدث من اعتداءات ضد الفلسطينيين في القدس والضفة والداخل الفلسطيني وغزة والشتات.