ماذا تفيد الكتابة بالحبر الأزرق، في وقت يكتب المواطن العربي من المحيط إلى الخليج بدمه القاني سنوات اليأس والقتل والانحدار إلى الهاوية؟ وهل تبقّى متسع للعقل والمنطق والحكمة في وقت تتحاور فيه البنادق والقنابل والفوضى في غابة كبيرة اسمها
الوطن العربي؟
كلنا نعلم أن المستفيد الأكبر من هذه المجزرة التي تجري في وطننا الكبير هو الكيان الصهيوني، ومع ذلك تمارس الأنظمة القمعية مزيدا من القتل ضد شعوبها، وتلجأ إلى أساليب وحشية في إراقة دماء وكرامة الناس، الباحثين عن لقمة العيش المغمسة بالحرية والكرامة، وهذا ذنبهم الذي لا يُغتفر.
نتنياهو أكثر المتفرجين على هذا المشهد الدموي؛ سعادة، استغل ما يدور ليُظهر نفسه في صورة الحريص على أمن الدول العربية، وإبداء رغبته في الشراكة مع الأنظمة العربية في محاربة الإرهاب، فيدعي: "نحن شركاء مع مصر ودول كثيرة أخرى في الشرق الأوسط والعالم في الحرب ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف، الموجه من قبل جهتين، إيران، وهم الشيعة المتطرفون، وداعش، وهم السنة المتطرفون، وكذلك من جانب فصائل أخرى مثل حماس".
كما يبدو واضحا، فإن مجرم الحرب نتنياهو لا يترك مناسبة إلا ويتعمد فيها الخلط بين حماس وتنظيم داعش، رغم أن البون بينهما شاسع، والفرق كبير، ولا وجه للمقارنة أو التشبيه. وكأن نتنياهو يريد من وراء ذلك أن يقول للعالم: إنكم كما تحاربون داعش، فإنني مثلكم أحارب النسخة
الفلسطينية منها، وهي حماس، وهو بذلك يشرعن جرائم الحرب التي ينفذها ضد شعب أعزل.
الدولة المارقة "
إسرائيل" هي أكثر المتفرجين علينا؛ شماتة بنا، وهي التي تقف خلف هذه الخطة الشيطانية، تخطيطاً، ودعماً، وتنفيذا، ومع ذلك لا تُذكر في الإعلام العربي على أنها سبب البلاء، وكأن هناك من يتعمد أن يحرف بوصلة الصراع مع العدو الصهيوني، إلى صراعات جانبية لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة العربية والإسلامية.
لماذا يغيب الكيان الصهيوني عن المشهد، مع أنه أكثر الأطراف حضورا في ما يحدث في الوطن العربي؟ ولماذا لا نذكّر المواطن العربي أن هؤلاء الذين يُقتلون هم في رقبة نتنياهو ومن حالفه وتآمر معه ضد شعوبنا وأوطاننا العربية؟
إن نجاح أعدائنا منذ سنوات في تنفيذ مخططاتهم الجهنمية في الدول العربية التي تحولت إلى حقل تجارب لأجهزة مخابرات العدو، ومراكز أبحاثه وخبرائه، وما يسمى الجماعات المسلحة، كل ذلك يعني أن الأمة تعيش في سبات عميق، وأن وسائل الإعلام التي تقوم بعملية تزييف الوعي قد نجحت في أسوأ المهمات المنوطة بها، وهذا يعني أن علينا أن نقرع -ليس جدران الخزان- على طريقة غسان كنفاني، إنما أن نقرع عقل وفؤاد المواطن العربي، بدءاً من النخب والمفكرين والمثقفين والإعلاميين، أولئك الذين أصبحوا -مع الأسف- عبئاً على أوطانهم، وليس انتهاء بالبسطاء من عامة الناس.
من يا ترى يتذكر فلسطين وسط هذا المشهد الدامي، وهل تخطر القدس على بالنا؟ وماذا نعد لمعاركنا القادمة مع الكيان الصهيوني؟ يظن العدو أن الإجابة عن هذه الأسئلة يبدو مرّا إلى حد الغصّة التي نتجرعها هذه الأيام، لكنه يعرف أكثر من غيره أن البندقية المشرعة في فلسطين لن تسقط، وأن البوصلة لن تنحرف، وأن شعب فلسطين الذي يقود الأمة إلى حرب التحرير والعودة، لن يمل أو يكل حتى يعيد الأرض المغتصبة لأصحابها، وأن الدماء المباركة التي روّت ثرى فلسطين لن تضيع سدى. ونحن في انتظار أن تنتهي الأمة من محنتها لتلتحق بقافلة المجاهدين على أرض فلسطين المحتلة.