نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا لمراسلها تيلور لاك، حول التطورات في
اليمن، حيث أصبح للحكومة الآن موطأ قدم في عدن، وهي تحضر نفسها لأصعب معركة، ألا وهي معركة كسب عقول وقلوب اليمنيين بتوفير المستلزمات الأساسية للحياة.
ويشير التقرير إلى أن حكومة عبد ربه منصور
هادي عملت منذ إنهاء وجودها في المنفى، والعودة إلى عدن الخميس الماضي، على تعيين محافظ جديد للإقليم الجنوبي، وعقد اجتماعات يومية للحكومة، والقيام بزيارات ميدانية للمناطق التي أصابها الدمار.
ويستدرك الكاتب بأن اليمن، الذي دمرت القنابل الحوثية والغارات الجوية
السعودية بنيته التحتية خلال شهور الحرب، يحتاج إلى أكثر من مجرد حكم رشيد وبعض مناسبات التقاط الصور.
وتذكر الصحيفة أنه بحسب الأمم المتحدة، فإن هناك 21 مليون يمني من أصل 25 مليونا، أي أربعة من كل خمسة يمنيين، بحاجة إلى مساعدة إنسانية. واضطر القتال 1.3 مليون يمني إلى النزوح عن بيوتهم، بينما يواجه 13 مليونا نقصا في الغذاء، وتقف البلاد، بحسب الأمم المتحدة، "على بعد خطوة واحدة من المجاعة".
ويلفت التقرير إلى أن قيادات المجتمع المدني قد دعت الحكومة إلى توفير المساعدات، وإعادة الخدمات الأساسية. وقد عقدت لجنة إغاثة أهالي عدن مؤتمرا صحافيا الإثنين الماضي، دعت فيه حكومة هادي إلى إعادة الخدمات لمساعدة النازحين ليعودوا إلى بيوتهم.
ويورد لاك أن اللجنة قالت في بيانها الصحافي: "يعود النازحون إلى المناطق المحررة ليجدوا انقطاعا في خدمات الكهرباء والماء والصحة، بالإضافة إلى انتشار الأمراض المعدية، فعلى الحكومة أن تعمل جاهدة وبسرعة".
وتنقل الصحيفة عن الناشطين اليمنيين قولهم إن الأهم الآن هو إعادة البناء. ويقول المراقبون إن حكومة هادي خسرت شرعيتها لدى الشعب اليمني؛ لمحاولاتها الحكم من المنفى في السعودية، والمراقبة من بعيد، بينما انزلقت البلاد إلى أتون الحرب. ويقول المحللون إن أي تأخير أو إخفاق في إعادة البناء والإغاثة الإنسانية سيجعل هادي يخسر أي أمل في أن يقبله اليمنيون زعيما شرعيا لهم.
ويعرض التقرير لقول الباحث الزائر لمعهد "كارنيغي" والمؤسس المشارك لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية فارع المسلمي: إن "الكثير من اليمنيين يرى هادي شخصا باع اليمن وتركها للحرب، هادي نفسه ليس مقبولا، وليس له دعم، وهذا سيكون التحدي الذي ستواجهه الحكومة".
ويبين الكاتب أن حكومة هادي تقول إنها تستمع للناس وتنفذ بسرعة. مشيرا إلى أنه منذ الأربعاء الماضي فتحت الحكومة مرفأين، وهما مرفأ البترول ومرفأ الملا، ما ساعد على دخول 3 آلاف طن من المساعدات الغذائية من الأمم المتحدة، ويتوقع وصول دفعة أخرى من المساعدات المقدمة من الهلال الأحمر الإماراتي الخميس.
إعادة ربط اليمن بالعالم
وتورد الصحيفة أن المسؤولين يقولون إنهم فتحوا مطار عدن جزئيا بهبوط طائرات عسكرية سعودية الأربعاء الماضي، وبدأت فرق من الإمارات بإصلاح المطار، الذي أصيب برج مراقبته وبنايات المسافرين الرئيسة فيه، جراء القصف المدفعي من الحوثيين، ويتوقع عودة الطيران المدني إلى المطار مع نهاية الأسبوع.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن وزير النقل بدر باسلامة، قوله على هامش تفقده لمحطة الطحاوي للطاقة، التي كانت في منطقة سيطرة الحوثيين: "تركيزنا الرئيس سيكون على فتح الموانئ البرية والبحرية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، فلن نستطيع البناء حتى نعيد توصيل اليمن بالعالم".
ويستدرك لاك بأن الحكومة تواجه تحديات أكبر من إيصال المساعدات. ويبقى نصف عدن دون كهرباء، بينما تعاني بقية اليمن من أيام طويلة بلا كهرباء. ويعترف مسؤولو الحكومة بأن الفرق الفنية قد تستغرق ثلاثة أسابيع لإعادة الكهرباء إلى عدن وحدها.
ويردف الكاتب أن الشوارع الرئيسة، التي تربط عدن بتعز وصنعاء، تعرضت للتدمير من الغارات السعودية، وهذا سيشكل عقبة كبيرة في توزيع المساعدات، إن كانت الحكومة تعتزم إعادة السيطرة على مناطق أخرى في البلاد.
الأمن سيكون هو المفتاح
وتلفت الصحيفة إلى أن باسلامة توقع أن بناء الطرق الرئيسة، التي تربط محافظات اليمن، سيستغرق شهورا. مضيفة أن هناك أيضا موضوع الأمن، ويقول مسؤولو الحكومة إن عدن تم تأمينها بعد طرد بقايا المليشيات الحوثية منها الإثنين الماضي، حيث يتنقل وزراء الحكومة عبر المدينة بحرية ودون تشديدات أمنية.
ويوضح التقرير أن المراقبين والسكان يحذرون بأنه مع مرور الأيام والأسابيع دون وجود قوات أمنية فإن عدن قد تعاني من فراغ سلطة وانفلات أمني.
وبحسب المتحدث باسم الرئيس هادي مختار الرحبي، فإن الحكومة ستعمل على تجنيد مقاتلي المقاومة الجنوبيين، وهم عبارة عن ائتلاف يتكون من رجال القبائل والانفصاليين الجنوبيين والإسلاميين ومؤيدي الحكومة، الذين حرروا عدن، لتشكيل قوة شرطة تعيد سلطة القانون إلى عدن، بحسب الصحيفة.
ويفيد الكاتب بأن المطلعين يقولون إن هادي يعتزم تكرار التجربة كلما زادت رقعة سيطرته في اليمن، بما في ذلك مدينة تعز، التي أصبحت نقطة الصراع بين الحوثيين ومؤيدي الحكومة.
الأموال ستساعد على النجاح
ويسلط التقرير الضوء على شك المحللين حول ما إذا كانت الحكومة تستطيع الاعتماد على التأييد طويل الأمد لمقاتلي المقاومة. فيقول محلل وكالة الاستخبارات المركزية وزميل معهد "بروكنغز" بروس ريديل: "هؤلاء المقاتلون ليسوا مؤيدين لصالح، بقدر ما هم معارضون لتحالف الحوثي
صالح، وسنرى أنهم سيعملون لمصالحهم، وهي انفصال الجنوب عن بقية اليمن".
وبحسب لاك، فإن المراقبين يقولون إن أموال السعودية والإمارات وآلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية ستشكل سببا لنجاح الحكومة إلى حين في عدن على الأقل.
وتختم "ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى قول ريديل: "هل سيعود الحال إلى ما كان عليه عام 2014؟ أغلب الظن لا، ولكن هل ستتحسن حياة سكان عدن؟ أغلب الظن نعم، وهذا ما سيصنع الفرق".