كتاب عربي 21

مواقف الرئيس السبسي تعوق مواجهة الإرهاب تحت شعار مكافحته

1300x600
كان بلاغ الخارجية البريطانية -بالأمس- القاضي بمنع السفر الكامل وإجلاء رعاياها ووضع تونس في مستوى خطر مثل الدول المنكوبة من نوع أفغانستان والصومال، كان قاصما. ورغم أنه يبدو مبالغا فيه، إلا أنه يعكس أساسا، ومثلما كان واضحا من البلاغ عدم ثقة في إجراءات الحكومة التونسية. إزاء ذلك لا يمكن لأي معارض مسؤول التشفي في الحكومة، فالقرار البريطاني مضر بالدولة التونسية بإجمالها. 

في المقابل من أكثر المواقف سوريالية، عندما يحاضر علينا اليوم في مسائل "الوحدة الوطنية" و"المسؤولية" و"عدم إرباك الدولة"، من كانوا إلى أمس قريب يواجهوننا ونحن في سدة السلطة، بشعارات وأفعال إسقاط الدولة فضلا عن الحكومة، مثلما حدث من محاولات احتلال مقرات السيادة من مجلس تأسيسي وولايات ومعتمديات، ؟إثر اغتيال الشهيد البراهمي في 25 تموز/ جويلية 2013.

في المقابل حينها والآن، في السلطة أو خارجها، لم نتغير. سنبقى نرى في الإرهاب ودعاة الفوضى والتوحش، لأننا درسناهم جيدا، ومثلما أقرت كتاباتهم وتصريحاتهم أن عملياتهم تهدف أساسا لضرب الدولة، وإحداث الفوضى حتى يمكن لهم التسلل و"التمكين". ولهذا لن نقع في فخ إعانتهم على ذلك بمطالب إسقاط الدولة، مثلما فعل في وقت ما من يتربعون في سدة السلطة. الشعور بالمسؤولية تجاه الدولة ثقافة، وليس موقفا مناسباتيا مرتبطا بموقعك فيها. 

بيد أن الامتناع عن الدعوة للفوضى وإسقاط الدولة لا يعني الرجوع إلى عهد "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، والصمت التام عما يفعله الرئيس والحكومة. ويصبح نقدهم ضرورة بشكل خاص عندما يتناقض شعارهم حول "مكافحة الإرهاب" مع بعض تصريحاتهم وأفعالهم. لنتمعن على سبيل الذكر لا الحصر فيما يقوله ويريد فعله الرئيس السبسي، سنرى حينها إن كان ذلك يساعد في مكافحة الإرهاب، ومن ثمة هل الصمت عن ذلك مفيد للوطن والدولة أم لا. 

لنبدأ بقراره مكافحة الإرهاب بإعلانه "حالة الطوارئ"، الذي لم يُثر فقط انتقادات المعارضة، بل حتى الصحافة الدولية الأكثر تأثيرا وأهمية، مثل الافتتاحية المشهورة لنيويورك تايمز منذ أيام، (التي نادرا جدا ما تخصص لدولة صغيرة مثل تونس، مما يعني أن السبسي نجح بشكل واضح في لفت انتباهها).

الإعلان تم وفقا لمرسوم يعود إلى سنة 1978، علاوة على مخالفته للدستور، يرجع تحديدا إلى مرحلة قرر فيها الرئيس الراحل بورقيبة مواجهة أول إضراب عام بعد الاستقلال، وحالة احتقان اجتماعي ومسيرات عبر البلاد. استعمال هذا المرسوم تحديدا، الذي يقرر إجراءات تخص تحديدا الإضرابات الاجتماعية بما في ذلك المشروعة، والمسيرات وليس عمليات إرهابية، يعكس تصورا كاملا لفهم السبسي للإرهاب وكيفية مواجهته. 

نفهم أن الرجل لايزال في كثير من الأحيان جامدا في مرحلة بورقيبة، شكلا ومضمونا، لكن من انتخبه الآن كان يعتقد أنه سيواجه مشاكل دولة ديمقراطية تواجه الإرهاب، وليس مشاكل السبعينيات. الحقيقة أن السبسي يرى الإرهاب مرادفا لأي توجه معارض من أي نوع، بما في ذلك ما يكفله القانون. هو فهم استبدادي للإرهاب. ما يؤكد ذلك ليس اعتماده فقط مرسوم 1978 بل أيضا محتوى خطابه الذي أعلن فيه "حالة الطوارئ"، والذي تركز في أغلبه على "التحركات الاجتماعية" و"الإضرابات"، في حين أن الخطاب كان من المفترض أن يتحدث عن مواجهة الإرهاب، في تواصل مع أول تصريح له بعد العملية الذي اتهم فيه حملة "وينو البترول" المطالبة بالشفافية في الطاقة. 

هذا الربط بين أي تحركات اجتماعية حتى مسؤولة وقانونية وبين الإرهاب مغالطة خطيرة. أساسا لو نأخذ العمليتين الأخيرتين في باردو وسوسة، كان الإخلال الأمني وعدم تفعيل خطط جاهزة لحماية مقرات السيادة والسياحية والأثرية، وليس أي "تحرك اجتماعي" في باردو أو سوسة، من أسباب النتائج الوخيمة للعملية.

فهل تأخر وصول قوات الأمن في عملية سوسة لأكثر من 30 دقيقة ناتج عن انشغالها بأي تحركات اجتماعية في المنطقة؟! وهل ضعف التنسيق والإعلام المتأخر للفرقة المختصة في مكافحة الإرهاب الموجودة على بعد كيلومترات من مكان العملية ناتج عن أي إضرابات في المنطقة؟! والآن يأتي بلاغ الخارجية البريطانية ليكشف ضمنيا ما كان متداولا في الأوساط الديبلوماسية حول عدم ثقة حكومات أوروبية شجعت سواحها للسفر سابقا، خاصة بعد عملية باردو، وغضب هذه الحكومات نابع تحديدا من إخلال الحكومة التونسية بالتزاماتها الأمنية منذ عملية باردو. والبلاغ يشير بوضوح إلى أنه لم يتم تعلم الدرس بعد. 

من الواضح أننا نحتاج "خطة طوارئ" أمنية وعسكرية لمواجهة الإرهاب تفعل أصلا الخطط الجاهزة في وزارتي الدفاع والداخلية، وليس تسخين مرسوم "حالة طوارئ" عتيق خارج الزمان. كان يمكن الاكتفاء بإعلان تفعيل كل الخطط التي كان يجب أن تفعل بعد باردو، مثلما التزمت الحكومة ولم تفعل، وتسميتها "خطة طوارئ". لكن السبسي أمعن في التخويف والإحباط إلى حد إعلانه إمكانية "انهيار الدولة" في حالة حدوث عملية أخرى، تحديدا مثلما يجب أن يقوم قائد أعلى للقوات المسلحة في حالة حرب؟! 

تعود السبسي منذ كان معارضا والآن في السلطة على عدم تحمل المسؤولية. لو كان معارضا وتمت عملية مثل سوسة لاتهم السلطة، خاصة إزاء الإخلالات الأمنية الواضحة "بغياب الإرادة السياسية لمكافحة الإرهاب"، وهو اتهام غير مسؤول وخطير ويصب في خطة الفوضى الإرهابية، وتعود على استعماله بعد كل عملية قبل الانتخابات الأخيرة، استثمر جيدا وبشكل منتظم في الإرهاب، ولا يزال يفعل ذلك وهو في السلطة.  

بعد عملية باردو مباشرة وفي خطاب عيد الاستقلال عندما تجمعت كل الطبقة السياسية في قصر قرطاج، اختار عوض التركيز على موضوع مكافحة الإرهاب وإعلان إجراءات واضحة، وإطلاق حوار وطني حوله من أجل إخراج استراتيجي، ساهمنا في صياغتها بقيت في الرفوف فقط؛ لأنه يحمل خصومة سياسية معنا، اختار عوضا عن ذلك أن يستثمر في مشروع "مصالحة اقتصادية" أعلن عنه سابقا باحتشام. فهل مشروع "المصالحة" الذي يعد له سيكون مفيدا في مكافحة الإرهاب؟!

كتبت منذ أسابيع عن تسريبات عن مشروع تنقيح قانون العدالة الانتقالية يالذي عمل عليه طاقم يتبع الرئيس السبسي، ومن الواضح أننا إزاء صفقة تضرب أسس العدالة الانتقالية، وتعوض مسار "الصلح" الوارد في فلسفة العدالة الانتقالية بـ"العفو"،  وهو ما أكدته أيضا مؤخرا رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة المعنية بالعدالة الانتقالية.

نشرية "مغرب كونفيدونسيال" في عددها للأسبوع الأول من نموز/جويلية تعرضت للموضوع، مع التركيز على أن مسؤولي الرئاسة دفعوا عبر علاقاتهم في المحكمة الإدارية في اتجاه ضرب قانون المصادرة، بما يهدف خدمة حاشية من رجال أعمال، ساعدت حزب الرئيس ومتنفذيه فيه، وأن الطعن في قرار المحكمة الإدارية شكلي. 

بمحاربة الشفافية في الطاقة واعتبارها تهديدا للدولة، والدفع الحثيث لـ"عفو" دون عدالة على من ساهم في إيجادنا في حالة اقتصادية صعبة هل نكافح الإرهاب؟! هل يمكن تحقيق وحدة وطنية عندما نرسل رسائل غير عادلة ترسي تمييزا بين المواطنين، حيث يتم شيطنة مطالب الفئات الاجتماعية الفقيرة والوسطى، واعتبارها إعانة على الإرهاب، مقابل الاستجابة الفورية لمطالب أصحاب الحظوة، مثلما حدث في علاقة بأصحاب النزل مباشرة بعد عملية سوسة. للتذكير؛ أزمة البنوك العمومية ومن ثمة العجز في الميزانية وتفاقم الدين الخارجي، يرجع لامتناع وعجز مستثمرين في السياحة عن إرجاع ديونهم، وذلك ليس فقط بسبب أزمة ما بعد الثورة، ولكن أيضا قبل ذلك. بالمناسبة آخر الأرقام في هذا الشأن، حسب تقرير سنة 2014 للبنك المركزي فإن 35% من ديون أصحاب النزل في قطاع السياحة غير مستخلصة. 

رسالة الصرامة جيدة لكنها ستزيد من الاحتقان دون رسائل واضحة حول الالتزام بالعدالة. تصريحات وإجراءات وأفعال الرئيس السبسي لا تساعد كلها على مكافحة الإرهاب، بل بعضها يساهم في تعميق الاحتقان ويعيق وحدة وطنية قوية خلف قواتنا المسلحة لمواجهة الإرهاب. ويرى ذلك عديد المواطنين والأحزاب والمنظمات بدرجات، (بما في ذلك اتحاد الشغل الذي رفض ضمنيا "إعلان حالة الطوارئ"). ويراه أيضا العالم. ومع اهتراء ثقة كل هؤلاء سيصعب مواجهة الصعوبات الاقتصادية والإرهاب على السواء.