قال شهود ومسؤولون إن مقاتلين موالين لتنظيم الدولة سيطروا على مساحات واسعة في أفغانستان للمرة الأولى؛ إذ انتزعوا مناطق في الشرق من حركة
طالبان، ما يمثل تهديدا جديدا للاستقرار.
وقال شهود فروا من القتال في إقليم ننكرهار لوكالة رويترز، إن مئات المقاتلين الذين بايعوا
تنظيم الدولة طردوا طالبان، وأحرقوا حقول الخشخاش التي تساعد في تمويل حملة طالبان للإطاحة بالحكومة الأفغانية.
ونشر مقاتلو تنظيم الدولة أيضا توجيهات قالوا إنها صادرة عن زعيم التنظيم "أبو بكر البغدادي"، لكن لم يتضح إن كان قد اختص بها أفغانستان تحديدا، أم أنها تعليمات سابقة ربما خضعت للترجمة.
وقال حاجي عبدول جان، وهو شيخ قبيلة في منطقة أتشين، إن أنصار تنظيم الدولة "جاءوا في شاحنات بيضاء كثيرة عليها مدافع كبيرة وقاتلوا طالبان. لم تقدر طالبان على المقاومة وفرّت".
وقال جان الذي شهد القتال في مطلع حزيران/ يونيو، قبل أن يفر إلى مدينة جلال أباد عاصمة الإقليم، إن بعض السكان رحبوا بالوافدين الجدد، مضيفا أن مقاتلي تنظيم الدولة "على النقيض من طالبان لا يجبرون القرويين على توفير الطعام والسكن لهم، بل لديهم الكثير من الأموال في جيوبهم ينفقونها على الغذاء وجذب الشبان إليهم".
ومثل هذه الروايات هي أوضح مؤشر حتى الآن على أن المتعاطفين مع تنظيم الدولة يمثلون خطرا متزايدا باستثناء بعض الانشقاقات القليلة بين قيادات متدنية المستوى في طالبان وبعض الهجمات المتفرقة، في حين قال شهود إن عشرات المقاتلين الأجانب يرافقون أنصار تنظيم الدولة الذين هم في معظمهم مقاتلون سابقون في طالبان أحبطهم فشل الحركة في العودة إلى السلطة في كابول.
ويرتفع علم تنظيم الدولة في بعض المناطق، ويخطب مقاتلون أجانب في المساجد عبر مترجمين، دون أن تعرف هوية المقاتلين غير الأفغان في التنظيم.
ويختبئ مئات المسلحين من التنظيم من مناطق متفرقة من العالم على الحدود الأفغانية الباكستانية.
نذير شؤم
وقال مسؤولون محليون إن المقاتلين الموالين لتنظيم الدولة انتزعوا من طالبان السيطرة على أراض في ستة أحياء على الأقل من أحياء ننكرهار الأحد والعشرين.
وقال أحمد علي هازرات رئيس مجلس الإقليم، وحاجي هازرات عضو برلمان ننكرهار، إن الأحياء الستة هي كوت وأتشين وديه بالا ونازيان ورودات وتشابرهار، بينما قال المتحدث باسم الجيش المحلي نعمان عطيفي إن التنظيم المتشدد أصبح له وجود في "سبع أو ثماني" مناطق.
وذكروا أن المعارك بين التنظيمين المتنافسين تدور في منطقتي خوجياني وباتشير أجام.
وتسيطر الحكومة المركزية على الأغلبية العظمى من أراضي أفغانستان، لكن الأحداث في ننكرهار تحمل نذير شؤم للقوات الأمنية التي تحارب لاحتواء تمرد طالبان بعد أن انسحبت معظم قوات حلف شمال الأطلسي قبل ستة أشهر.
وأبدى أنصار تنظيم الدولة شراسة؛ إذ ذبحوا العديد من قادة طالبان، ويؤكد نجاح التنظيم في السيطرة على مناطق في العراق وسوريا على الخطر الذي يمثله في أفغانستان.
ويتشكك مسؤولو الحكومة وقوة التدريب التي تقودها الولايات المتحدة في قدرة تنظيم الدولة على اكتساب موطئ قدم كبير في أفغانستان، نظرا لعدم ثبوت وجود صلات مباشرة بالشرق الأوسط، كما أن طالبان لا تزال هي القوة المهيمنة، لكن أنصار التنظيم في ننكرهار يوصفون بأنهم يتمتعون بتنظيم وتمويل جيد.
وتحت ظلال جدار طيني في مخيم مؤقت للاجئين في سرخ ديوال خارج مدينة جلال أباد سرد نحو 30 رجلا روايات عن مقاتلي تنظيم الدولة، وتعدّ المناطق التي جاءوا منها من الخطورة، بحيث يتعذر على الصحفيين دخولها.
وقال عبد الولي، وهو لاجئ من أتشين في العشرينات من العمر، إنه استمع عبر مترجمين إلى خطب ألقاها مقاتلون أجانب بالعربية في مساجد محلية، مضيفا: "يحدثونهم عن الإسلام وما يجب فعله وما ينبغي اجتنابه."
وقال حاجي عبد الحكيم، وهو شيخ قبيلة في منطقة كوت، إن مقاتلي تنظيم الدولة وزعوا أيضا منشورات "لتحذير الناس من جرائم كثيرة".
كما قيل إن خطابا مهربا من منطقة باتشير أجام صادر عن البغدادي.
"لصوص وبلطجية"
واعترفت حركة طالبان -التي حذرت تنظيم الدولة من التدخل في أفغانستان- بفقدان أراض في ننكرهار، ولكنها قالت إن منافسيها ليسوا مقاتلين بتنظيم الدولة.
وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان "إنهم لصوص وبلطجية... سنطهر قريبا هذه المناطق، ونحرر سكان القرى."
وحكمت طالبان أفغانستان من منتصف التسعينات وحتى عام 2001 عندما ساعدت حملة قادتها الولايات المتحدة على الإطاحة بها من السلطة.
وذكر شهود أن مقاتلي تنظيم الدولة أسسوا في ننكرهار نظاما أكثر صرامة من نظام طالبان التي قال مالك جان -وهو زعيم قبلي فر من سبينجهار التي تأثرت بالقتال أيضا- إنها رغم صرامتها خففت من طريقتها في الحكم لكسب تأييد شعبي.
وقال جان إن مقاتلي تنظيم الدولة حرقوا حقول الخشخاش في قرية شادال، ومنعوا المتاجر من بيع السجائر، وتجارة الأفيون وتحصيل رسوم على منتجات الخشخاش من مصادر الدخل الرئيسية لطالبان.
وبدا أن الموالين للتنظيم في ننكرهار لديهم مصادر دخل أخرى، إذ تحدث عدد من الناس عما بحوزتهم من مال وفير، وسمع البعض أنهم يبيعون ذهبا، وهو أمر غير معتاد في المنطقة، دون أن يتضح من أين يأتي المال.
ورغم أنه ليست هناك أدلة تذكر على وجود صلات مباشرة بين التنظيم في الشرق الأوسط والمقاتلين الذين يحاربون تحت لوائه في أفغانستان، يشعر مسؤولون في كابول بالقلق من احتمال تدفق المال والأفراد، ما سينقل الحرب إلى مستوى جديد.
وقال الكولونيل برايان تريبوس، المتحدث باسم قوة المعاونة الأمنية الدولية بقيادة حلف شمال الأطلسي، إن قوة المعاونة تعتبر أن التقارير التي تتحدث عن تدفق المزيد من المال إلى أفرع تنظيم الدولة "مبالغ فيها".
وأضاف أن الحلف "لم ير أي مؤشر" على أن التنظيم طرد تماما طالبان من أجزاء في ننكرهار، وقال إن أي مقاتلين أجانب هم على الأرجح جهاديون عالميون موجودون في المنطقة، وليسوا وافدين جددا.
تراجع القوات الأفغانية
إلى ذلك، أكدت قوات حكومية في ننكرهار اندلاع اشتباكات بين طالبان وأجنحة تنظيم الدولة، إلا أن المتحدث العسكري عطيفي قال إنهم لا يستهدفون مقاتلي التنظيم.
وقال مالك إسلام رئيس بلدية منطقة أجين أيضا إن القوات الأفغانية لا تواجه مقاتلي تنظيم الدولة الذين قال إنهم "في كل مكان تقريبا في المنطقة"، مضيفا أن القوات تستهدف طالبان، متابعا أن مقاتلي تنظيم الدولة "لم يهاجمونا، ونحن أيضا لم نشتبك معهم."
وتحدث إسلام هاتفيا من وسط منطقة أجين التي تسيطر عليها الحكومة، رغم أن سيطرتها وراء ذلك محدودة، كما هو الحال في عدة مناطق في شرق وجنوب أفغانستان.
ولكن وزير الداخلية نور الحق علومي قال إن الشرطة اشتبكت مع مسلحي التنظيم، قائلا في بيان إننا "نفذنا بضع عمليات تطهير في مناطق في ننكرهار، وسنواصل ذلك حتى نحول دون سيطرة أي جماعة إرهابية على أراض."
وقال مايكل كوجلمان المختص بشؤون جنوب آسيا في مركز وودرو ويلسون الدولي في واشنطن إنه بالرغم من أن معظم مسلحي التنظيم الأفغان ما زالوا موالين لطالبان، فإن أساليب تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر وحشية تجد صدى لدى بعض المقاتلين الشبان.
وإضافة المال لتلك الأساليب قد تزيد من جاذبية التنظيم.
وقال: "بالنسبة لبعض المتطرفين ممن يسهل التأثير عليهم قد تكون مظاهر البذخ نقطة جذب مثلها مثل الوحشية."