نشرت مجلة "فورين أفيرز"، الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، تحليلا للباحثة في معهد الدراسات الاستراتيجية الوطنية في أمريكا دنيس ناتالي، حول الدور الذي يؤديه
الأكراد في كل من
العراق وسوريا في الحرب ضد
تنظيم الدولة.
وتقول ناتالي إن الحملة ضد تنظيم الدولة التي تقودها أمريكا، تعتمد بشكل كبير على قوات
البيشمركة الكردية كونها قوات برية، منذ أن بدأت الحملة الجوية في أيلول/ سبتمبر 2014، حيث استردت البيشمركة من 25 إلى 30% من الأراضي التي سيطر عليها تنظيم الدولة، وهذا بدوره حرم الأخير من مصادر النفط والغاز، وبالتالي قلل موارده.
ويستدرك التقرير، الذي اطلعت عليه
"عربي21"، بأن قصة البيشمركة لم تكن قصة نجاح تامة، فقوات البيشمركة استخدمت ضربات التحالف الجوية لتقوم بإعادة هندسة الديمغرافيا، مستعْدين العرب السنة بذلك، وهم من تحتاجهم أمريكا لجانبها لإضعاف قوة تنظيم الدولة، كما أن تأييد التحالف للبيشمركة في سوريا يزعج
تركيا، وهي حليف إقليمي مهم.
وتشير الكاتبة إلى أن الأكراد شركاء ملتزمون وبراغماتيون، فقوات البيشمركة قاتلت الجماعات الإسلامية لسنوات، كما أن لها تاريخا في عقد الاتفاقيات والتحالفات الانتهازية لحفظ مصالحها أو أراضيها. فخلال الحرب الأهلية الكردستانية في التسعينيات قاتلت قوات البيشمركة الحركة الإسلامية في كردستان، وفي عراق ما بعد صدام قاتلت بجانب القوات الأمريكية لطرد أنصار الإسلام، وخلال فترة تمرد تنظيم القاعدة وقعت كردستان اتفاقيات استخبارية مع أنقرة وطهران وبغداد والقيادات المحلية لحفظ حدودها.
ويجد التقرير أنه بالرغم من التهديدات بالانفصال عن العراق قبل أقل من عام، فإن حكومة إقليم كردستان تقوم بالتنسيق مع الجيش العراقي لإنشاء لجنة أمنية مشتركة مع القوات العربية السنية، ومعا يخططون للتعاون في تحرير الموصل. وفي سوريا يحافظ حزب الاتحاد الديمقراطي على اتفاق ضمني مع بشار الأسد، ويسيطر على حقل بترول الرميلان، الذي يوفر دخلا للحزب، مقابل المحافظة على أمن المناطق الكردية في شمال سوريا.
مستوى محلي
وتبين المجلة أن الأكراد يتحركون أيضا على المستوى المحلي في الحرب على تنظيم الدولة، بالاتفاق مع القيادات المحلية في مناطق مختلفة. ففي إقليم نينوى تحالف رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود برزاني مع شيخ قبيلة شمر؛ لاستعادة مناطق استراتيجية على الحدود العراقية السورية. وفي أربيل يحمي برزاني محافظ الموصل أثيل النجيفي، الذي يبني قوات للحرس الوطني من العرب السنة لحرب تنظيم الدولة. وفي كركوك وديالى تقاتل قوات البيشمركة إلى جانب القوات الإيرانية والمليشيات الشيعية والقوات العراقية وحزب العمال الكردستاني ضد تنظيم الدولة.
ويتابع التقرير بأن قوات البيشمركة تنسق أيضا مع الشبك والآشوريين واليزيديين لاستعادة الأراضي. وكذلك في سوريا قام حزب الاتحاد الديمقراطي بتعيين شيخ قبيلة شمر دحام الهادي، ليكون رئيسا مشاركا لكانتون الجزيرة، وهو أكبر مناطق الحكم الذاتي الكردية. وقاتلت الذراع العسكرية للحزب- وحدات الحماية الشعبية، تنظيم الدولة بجانب الجيش السوري الحر في كوباني، بموازاة قوات الأسد وبعض القبائل العربية في القامشلي.
وترى ناتالي أن هذه التحالفات مع الغارات الجوية آتت أكلها؛ ففي العراق يقول الأكراد إنهم استعادوا 10500 ميل من أراضي تنظيم الدولة، بينما وفروا ملجأ لحوالي مليوني لاجئ ونازح، 19% منهم عرب سنة. ويعد إقليم ديالى الوحيد في شمال العراق الخالي من تواجد تنظيم الدولة، بالإضافة إلى كوباني في سوريا، وحوالي مئة قرية حولها تم استردادها من التنظيم، وصادفت هذه المكاسب تنسيقا بين الأكراد والعرب السنة في المعارك حول حلب، التي دفعت بالتنظيم نحو الرقة ودير الزور والحسكة والريف المحيط، حيث معاقل التنظيم.
ويذكر التقرير أنه بالرغم من هذا فإن استراتيجية التحالف ونجاح الأكرد ضد تنظيم الدولة لها مشاكلها السياسية، وتتلخص في السماح للأكراد في اتخاذ إجراءات ضد جيرانهم السنة العرب تتجاوز الحرب على تنظيم الدولة، وتقوم حكومة إقليم كردستان بإعادة رسم الحدود الداخلية، بعد أن سمحت غارات التحالف للبيشمركة بدخول مناطق كان يحتلها تنظيم الدولة وضمها إلى إقليم كردستان، على حساب العرب السنة.
وبحسب تقرير قريب لـ"هيومان رايتس ووتش"، تقوم قوات البيشمركة في العراق بمنع آلاف النازحين العرب من العودة إلى بيوتهم ووضعهم في مناطق أمنية. وانتقد أعضاء البرلمان العراقي العرب، مصادرة الأكراد للأراضي وتشريد آلاف العرب بحجة محاربة تنظيم الدولة.
ردة فعل
وتوضح المجلة أن تهديد تنظيم الدولة والحملة ضده، تسببا بردة فعل داخل إقليم كردستان، حيث أدت جرائم التنظيم إلى زيادة التدابير الأمنية، كما أن زيادة اللاجئين والضغط الاقتصادي ولدا حالة من الخوف وعدم الثقة، جعلت من الصعب على العرب السفر إلى الإقليم أو حتى التنقل داخله، بالرغم من التحالفات الكردية العربية ضد تنظيم الدولة.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته
"عربي21"، إلى أنه بينما يسمح للأكراد بالسفر والعمل في العراق، إلا أن العراقيين العرب يحتاجون إلى كفيل للعيش والعمل في إقليم كردستان، ولا يسمح لهم بتملك الأرض أو التمتع بحقوق الأكراد ذاتها. ولا يسمح للذكور العرب بالسفر إلى إقليم كردستان إلا بعد الحصول على فيزا. وحتى بعد الحصول عليها فإنه يتم التحقيق معهم لساعات طويلة على نقاط التفتيش، وقد لا يسمح لهم بالدخول. وداخل الإقليم لا يستطيع العرب التنقل بحرية.
وتعتقد الكاتبة أنه إذا نجح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في التوفيق بين السنة والشيعة، وأعطى فرصة للعرب السنة بتطوير مناطق خاصة بهم، أو بالتعاون مع الأكراد في المناطق المشتركة، فإن التوتر سيتعمق؛ لأن الأكراد يعدون كركوك وأجزاء من الموصل تابعة لهم، والعرب يعدون الموصل بمكانة القلب للسنة العرب في العراق. وعندما دخلت القوات الكردية كركوك، كانت هناك تصريحات من مسؤولين أكراد يقولون إن كركوك لن تعود إلى السيطرة العربية ثانية.
ويكشف التقرير عن أن خطوط الصراع العرقية بدأت تظهر في سوريا أيضا، ما ساعد الأسد وتنظيم الدولة في البقاء جزءا مهما من المعادلة، حيث حاول حزب الاتحاد الديمقراطي استغلال غارات التحالف لتوسيع مناطق كانتونات الحكم الذاتي الكردي، كما أنه تم اتهام الحزب بطرد العرب السنة من تلك المناطق.
وتذهب المجلة إلى أنه باعتماد التحالف على الأكراد فإنه شجع الأكراد من العراق وسوريا وتركيا للعمل معا، وأعطى شرعية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وحزب العمال الكردي، وزاد من مخاوف تركيا، حيث إنها ترى منطقة حكم ذاتي كردي أخرى على حدودها الجنوبية، وهو ما قد يهدد وحدة أرض تركيا مستقبلا.
وتنوه ناتالي إلى أن إمكانية بقاء الأسد والانتخابات التركية القادمة قد تؤخران عملية السلام في تركيا، وتعملان على تشجيع التوتر بين تركيا وحزب العمال الكردي. وقد تشعر أنقرة بأهمية تقديم محاربة حزب العمال الكردستاني وإسقاط الأسد على محاربة تنظيم الدولة.
ويفيد التقرير بأن الحملة لمحاربة تنظيم الدولة أدت إلى اعتماد الأكراد على المساعدة العسكرية الإيرانية، التي دخلت بقوات من الحرس الجمهوري لاستعادة بعض المناطق من التنظيم، ما يهدد بحدوث توترات مستقبلا.
وتورد المجلة أن المشكلة الأخرى هي انقسام قيادات البيشمركة بين الموالية لتركيا والموالية لإيران، وكلاهما يحاول استغلال فراغ السلطة ليزيد من نفوذه.
وتخلص "فورين أفيرز" إلى أنه إذا كانت أمريكا تريد استخدام الأكراد في حربها على تنظيم الدولة عليها تقنين إمدادهم بالسلاح؛ كي لا يستخدم في المستقبل في قمع العرب السنة في شمال العراق، ولذلك فإنه يجب على التحالف إمداد الأكراد بالسلاح عن طريق الحكومة العراقية، ومراقبة توزيع الأسلحة في كردستان، ومراقبة الضغوط والانتهاكات التي ترتكب ضد المدنيين العرب السنة. كما أنه يتوجب على واشنطن تشجيع إنشاء الحرس الوطني السني ليكون جزءا من قوات الأمن العراقية.