واحدة من أسوأ متاعب العمل الصحفي في فترة ما بعد الانقلاب أن تظل تستمع إلى شاويش الانقلاب الذي لم يكمل تعليمه الإعدادي، وهو يرد على أسئلة أو يرتجل محاولاً تصنع الكاريزما ليتحفك بتعبيراته العبقرية على غرار ( الكلام بيعدي على فلاتر ) و ( انا هحاجيكم قدام ربنا ) و ( ماسر حتبقى قد الدونيا ) ولا يقل عن ذلك سوءاً أن تستمع إلى ذلك القزم وهو يتلو كلمة مسجلة تدرب عليها كثيراً ( لكي لا يرتكب اخطاء مضحكة )، لتنهال على أذنك مخارج أصواته المتهدمة التي تشبه الأصوات المنبعثة من نصف ماسورة صرف مشروخة لتسمع كلمات مثل ( سخرة الوتن – صخرة الوطن ) و( سلام المنتسرين – سلام المنتصرين ) و ( ادمر لميسر – اضمر لمصر ) ... إلخ.
ويزداد الأمر سوءاً حين يقرر ذلك القزم الحديث بالإنجليزية على طريقة ( شط أب يور ماوس أوباما ), لتبلغ الكوميديا السوداء ذروتها، فتنهال على المستمع تعبيرات بدائية مثل ( سانك يو ليت مي توك باي ارابيك بليز )، ولتقارن دون وعي بين اللغة الإنجليزية الراقية للرئيس الدكتور المهندس الذي جلدوه على تعبير ( دونت ميكس )، وهو بالمناسبة تعبير مستخدم وشائع باللهجة الأمريكية، وبين إنجليزية ذلك القزم التي تعلمها في كورسات مكثفة على يد الليدي ( شط يور ماوس اوباما ).
ورغم أن مخارج ألفاظ الشاويش لا تخلو من الكوميديا إلا أن كوميديا المعاني أشد وضوحاً وفجاجة، ففي كلمته البروتوكولية في ذكرى ما يسمى بـ ( تحرير
سيناء )، وعلى الرغم من حرصه على توجيه رسائله الغرامية المعتادة للكيان الصهيوني وللدول العظمى، ليذكرهم بأنه سيظل ( غفيرهم الوفي ) في المنطقة حين قال : " إن
مصر حققت سلام المنتصرين .. سلاما اختارته وجنحت له باختيار حر.. وإرادة واعية .. وستظل مصر حريصة على السلام وملتزمة به.. تحميه بقوات مسلحة قادرة "، وهي رسالة تطمين وقحة فجة للكيان الصهيوني ربما لم ينتبه لها كثيرون، وترجمتها الحرفية أن جيش المعونة الأمريكية سيحمي أمن الكيان الصهيوني.
وهي عبارة تكشف لكل من تبقت لديه ذرة من ضمير أن الجرائم الهمجية التي ترتكبها ميليشيات كامب ديفيد في سيناء، من قتل للآمنين وحرق منازلهم وإخلاء رفح وتعذيب لأهلنا في سيناء، غرضها حماية الكيان الصهيوني، إلا أن أشد ما يثير السخرية في تلك الجملة كان تعبير ( قوات مسلحة قادرة ).
ووجدت نفسي تلقائيا استعيد تفاصيل الهجمات التي شنها مسلحو تنظيم " ولاية سيناء " الأسبوع الماضي، حين هاجموا 7 كمائن بشكل متزامن، وقتلوا عدداً من الجنود والضباط واستولوا على مدرعتين ونشروا صوراً لهما، وتذكرت كيف وصف شهود عيان مشاهد هروب الضباط من تلك الكمائن، بعد أن خلعوا ملابسهم العسكرية، وتداعى إلى ذهني ذلك المشهد العبقري من فيلم " إشاعة حب " حين كان يوسف وهبي يتظاهر بإملاء عمر الشريف رسالة تقول ( ويجب أيضاً إرسال ملايات اللف والطرح للمحاربين القدماء في باريس ) !! .
هذا بالطبع بغض النظر عما لاحظته شخصياً من محاولة تأكيد لوهم ( تحرير سيناء ) عن طريق تكرار مهزوز لعبارات مدرسية من نوع ( النصر – الملحمة – تحرير – معركة الكرامة )، كما لو كان المتكلم يريد تأكيد مفهوم بعينه، يعلم هو قبل غيره أنه مجرد أكاذيب على طريقة ( اللي على راسه بطحة )، وسبق أن تحدثت عن حرب أكتوبر تلك الكذبة الوهمية التي عاشها الشعب المصري، الذي أوهموه أن الجيش انتصر على العدو، في الوقت الذي كانت تتفقد فيه جولدا مائير قواتها وتلتقط الصور على بعد 100 كيلومترا من القاهرة، بعد أن تدفقت طوابير الأسرى المصريين حتى بلغ عددهم ثمانية آلاف أسير مصري.
تلك القوات التي يصفها بالقادرة، هي نفسها القوات التي ترفع سلاحها في وجه الفتيات، وهي نفس القوات التي شاهدنا ضباطها يلوذون بالفرار في دباباتهم من أمام بنادق المسلحين.