1-
يقولون إن الرئيس المعزول محمد مرسي قزّم
مصر وأساء إليها كثيرا خلال العام الذي تولى فيه مقاليد الرئاسة، هذه حقيقة لا تقبل النقاش، لكن ثمة حقيقة أخرى لا تقبل النقاش، وهي أن مصر بدت صغيرة تابعة هشة خلال فترة حكم الرئيس الحالي عبد الفتاح
السيسي.
عندما قرر قطاع كبير من المصريين اختيار السيسي رئيسًا، كانت هناك أسباب تُساق لتبرير ذلك، من بينها أنه الرجل القادر على الوقوف في وجه أمريكا والغرب، والتصدي للمؤامرات، وهزيمة الإرهاب، وإعادة مصر إلى مكانها الصحيح الذي أنزلها من عليه محمد مرسي.
بعد شهور قليلة من حكم السيسي تبين أن "أحمد زي الحاج أحمد"، فلا هيبة مصر عادت ولا اقتصادها تعافى ولا استغنت عن الكفيل ولا القمع توقف، ربما أقبل منك ألا ترى ذلك، لكنني لا أقبل أن ترى عكسه.
2-
"تابعت كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ودولة قطر، ودولة الكويت، بألم كبير وقلق بالغ تطورات الأحداث الخطيرة في الجمهورية
اليمنية التي زعزعت أمن اليمن واستقراره جراء الانقلاب الذي نفذته المليشيات الحوثية على الشرعية، ولذلك قررت دولنا الاستجابة لطلب الرئيس عبد ربه منصور هادي لحماية اليمن وشعبه العزيز من عدوان الميليشيات الحوثية".
لم يتم ذكر اسم "مصر" ولو مرة واحدة في بيان الدول الخليجية الخمس التي أعلنت خلاله التحرك عسكريا لمواجهة الحوثيين، وبدأت هذه الدول الحرب منفردة، دون أن تنتظر التشاور مع مصر أو دعوتها رسميا للمشاركة، ولكن بعد صدور البيان، وبدء الضربة بساعات، أعلنت مصر عن دعمها للضربة العسكرية سياسيا وبحريًا وجويًا، بل وبريًا إذا لزم الأمر.
التحقت مصر بقرار لم يتم إشراكها في اتخاذه، وانضمت لحرب بدأها غيرها، وقبلت أن يعمل الجيش المصري العظيم في التحالف تحت إمرة دولة أخرى، رغم أنه القوة العسكرية الكبرى عربيًا، وسواء كان هذا التحرك لرد الجميل أو انتظارا لمساعدات خليجية جديدة، فالأمر محزن ومحبط لأي مصري يحب بلده ويدرك قدرها.
3-
في فبراير الماضي تحركت الطائرات الحربية المصرية لقصف مواقع لتنظيم داعش الإرهابي في ليبيا، ردا على ذبح 20 مصريًا، لم يعجب التحرك المصري القيادة السعودية، لم يساند أحد في الخليج -باستثناء الإمارات- مصر الذي تستهدف الثأر لأبنائها والدفاع عن حدودها، وتحدث الجميع عن الحل السياسي وكون التحرك العسكري ليس حلًا لمواجهة الأزمة في ليبيا.
لا يعنينا كثيرا الموقف الخليجي، لا يعنينا موقف أي دولة أخرى، ما يعنينا هو الموقف المصري باعتبار الثأر ثأرنا والدماء التي أريقت دماؤنا، فماذا فعلت مصر بعدها؟
بدا أن الموقف الخليجي الرافض للضربة العسكرية دفع القيادة في مصر للتراجع عنها، فبعد أن كان الحديث عن أن الضربة الجوية ستكون مجرد بداية يتبعها ضربات أخرى لإضعاف قدرات التنظيم الإرهابي، اكتفت مصر بضربة محدودة جدا لم تضعف قدرات داعش من ناحية، وضاعفت الخطر المحدق بالمصريين في ليبيا من ناحية أخرى، وبعد أن كان الجميع يتحدث وقتها عن اقتحام بري للأراضي الليبية دفاعا عن الحدود المصرية، انتهى الأمر وبات الجميع يتوقع الآن اقتحاما بريا مصريا للأراضي اليمنية دفاعا عن الحدود السعودية.
4-
يقال إن كل هذا الانبطاح المصري في مواجهة الكفيل الخليجي هدفه الاستغناء عن الولايات المتحدة وتكوين حلف عربي في مواجهتها، فهل هذا حقيقي؟
السؤال أجاب عنه السيسي نفسه في حواره مع وول ستريت جورنال بتاريخ 21 مارس 2015، عندما قال: "لا يمكن أن نقلل علاقاتنا مع الولايات المتحدة لمستوى أنظمة الأسلحة فقط، ونحن حريصون على العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة فوق كل شيء، ولن ندير لها ظهرنا حتى إن أدارت ظهرها لنا".
لم تنقطع الاتصالات والزيارات رفيعة المستوى بين المسؤولين الأمريكيين والمصريين، وفي الوقت الذي كان فيه الإعلام المصري المُؤمَم -أو المُعمَم- يتهم أمريكا بالتآمر على مصر ودعم الإرهاب، كان وزير الدفاع الأمريكي يزور مصر وعلى وجوه المسؤولين المصريين ابتسامة تصل بين الأذنين، وبمجرد عودته إلى بلاده يحل محله وزير الخارجية، فمسؤولون اقتصاديون، فقيادات في الجيش الأمريكي.
لم يحدث أي خلاف بين مصر وأمريكا سوى في الموقف من الإخوان، وإصرار واشنطن على دمجهم في المجتمع، مقابل إصرار مصر على إبادتهم، وبمجرد أن تلافى الطرفان هذه النقطة الخلافية، واتفقت وجهة نظريهما بشأن اليمن، عادت المياه إلى مجاريها، فأنهى أوباما تعليق تسليم طائرات الأباتشي لمصر، وأعلن عن منحها معونة سنوية قدرها 1.3 مليار جنيه.
لن يتحدث أحد الآن عن تأثير المعونة على القرار المصري، كما كانوا يقولون في السابق ليقنعوا الناس يتقبل قرار وقفها، بل سيعتبرونه نصرا للقائد الملهم "اللي منيم أمريكا من المغرب"، ولن يعتبرونه مكافأة من دولة معادية لنظام أليف.
قالوا إننا ننبطح للخليج حتى لا ننبطح لأمريكا، فأصبحنا ننبطح للخليج ولأمريكا!
5-
ولأننا أصبحنا صغارا في نظر الجميع، كان طبيعيا أن نصغر في نظر أفريقيا أيضا، فلأن مصر ليست في مرحلة تسمح لها بالحرب، "لاحظ أننا خضنا حربا في ليبيا والآن في اليمن"، كان واجبا عليها أن تذعن لشروط إثيوبيا بشأن
سد النهضة وتوقع شيكا علي بياض لأديس أبابا يضمن للسد البقاء دون ضمانات حقيقية لحقنا في المياه، ودون حتى أن تهتم الدولة بإظهار بنود الاتفاق للمواطنين ولو من باب العلم بالشيء.
حصل رئيس إثيوبيا على مكسب لم يكن يتصوره في معركته مع مصر بشأن سد النهضة، مقابل بضع من عبارات الثناء على مصر ونظامها ورئيسها، تلك العبارات التي يسعى إليها النظام الحالي دوما وينشرها في كل وسائل إعلامه لتأكيد شرعيته التي يبدو متشككا فيها أكثر من معارضيه، ولو كان المقابل أن يضع حق الأجيال القادمة في المياه على حافة الخطر.
6-
نحن حاليا ضعفاء أمام أمريكا، نتطلع لدعم روسيا، ننتظر نفحات الخليج، ورفعنا الراية البيضاء لأفريقيا.
عارضنا نظام مبارك لأنه قّزم مصر، وعارضنا نظام مرسي لأنه قزّمها أكثر وأدخل إليها نظام الكفيل، والآن يجب أن نعارض نظام السيسي بلهجة أشد لأن مصر في عهده تقزّمت أكثر وأكثر حتى اقتربت من الاختفاء.