لعل العمل الأكبر للأحزاب السياسة والوطنية منها في أرجاء دول العالم يتنامى في ظل الحروب والأزمات، وتكون مشاريع تلك الأحزاب متساوية مع العجلة العسكرية التي تدور رحاها في بلد ما، فكل عمل عسكري ينتهي مع بدء المفاوضات السياسية، وكل سياسة فاشلة تنتهي بالحرب.
أظهرت
الثورة السورية منذ اندلاعها في شهر آذار/ مارس من عام 2011، أنه بالرغم من اعتماد النظام السوري على تلقين السوريين للحزبية والبعثية منذ صغرهم، ونشر الحلقات الحزبية في مناطق
سوريا التي ربما لم تكن تعرف ما معنى "الكهرباء"، ليجعل النظام السوري الانتماء البعثي للسوريين أهم بكثير من الانتماء الاجتماعي أو ما شابه.
ورغم كثرة المنتسبين إلى حزب "البعث السوري"، فإن قلة قليلة منه صمدت مع انطلاقة أول رصاصة، وتركزت على من تعلقت مصالحه بمصالح الحزب ليس إلا، وما دون ذلك تقهقر مع تقهقر الأوضاع الميدانية في البلاد.
يكاد يغيب
حزب البعث السوري عن المشهد السوري بشكل كامل، فلا حراك سياسي له، ولا نشاطات تذكر، ويقتصر تفعيله فقط ضمن المناسبات الحزبية السنوية، أو عندما يقتل أو يموت بعثي قديم من أصول البعثية الأسدية، وكأن لسان حال الواقع يقول ليس من المهم في الوقت الراهن أن تكون بعثياً بقدر ما تكون شبيحا، فالوقت الراهن لا يفيد الخطاب السياسي، بقدر الانتماء للمشروع الطائفي الذي يسود البلاد يمنة وشمالا.
في الذكرى الثامنة والستين لتأسيس حزب "البعث العربي الاشتراكي" في سوريا، يغيب الحزب بشكل مطلق عما يجري في أنحاء البلاد، أو ربما الأصح قوله قد غُيب الحزب سياسياً عن الواقع، واستعاضة الحزبية العرقية للنظام الحاكم المؤسسة على الطائفة والعقيدة المذهبية.
ونجح رئيس النظام السوري
بشار الأسد في الحفاظ على منصبه ونظام حكم أبيه، بعد أن استعاض عن الطائفة التي ينحدر منها، بالمذهب الأكبر "ولاية الفقيه"، التي بدورها كان لها النصيب الأكـبر في بقائه ضمن سدة الحكم من جهة، ومنعه من السقوط عقب تنامي المعارضة السورية المسلحة.
من جانب آخر، عمل الأسد الابن من خلال الانحناء أمام المشروع الإيراني على فتح أبواب البلاد أمام الإيرانيين لبسط نفوذهم عليها، مقابل جعله فيها "مندوبـاً سامياً" يسمع الأوامر وينفذ الطلبات، وكل ذلك باسم الرئاسة السورية والاستقلالية الظاهرة إعلامياً والطائفية منها تحت ذات الطاولة.
ومنحت المشاريع المذهبية والتكتلات الطائفية للأسد، التي بناها الأسد الأب مع ملالي طهران في عدم وجود أي اعتراض إيراني على الزج بآلاف العناصر الإيرانية ضمن المعارك السورية، معتبرين أن مشروع الهلال الإيراني أعمق بكثير من بضع رجالات عسكرية إيرانية تقتل في سوريا.
وهنا يقتصر تواجد حزب البعث السوري على الإتكيت العام لنظام الحكم في سوريا، بهدف إظهاره على أنه نظام حكم عربي قومي مستقل بالقرار، ولهذا السبب سيسعى الأسد الابن رغم الانتهاء شبه الكامل لحزب البعث في سوريا على عدم تفككه، بهدف الثبات على شعارات القومية العربية التي يحملها الحزب في وحدة الأمة العربية وحريتها وما شابه.
كما يستفيد الرئيس السوري من هذه الفعاليات الحزبية في جعلها تضخ الأموال لقواته غير الحكومية، بعد أن أعطاها للميليشيات بمسميات وطنية كـ "الدفاع الوطني" وغيرها، محولاً أفراد حزب البعث من بعثيين سياسيين إلى رعاة لتلك الميليشيات ليس إلا، وطبعا كل ذلك يتم بعد الشحنات الوطنية المعروفة التي يتغنى بها نظام الحكم في مكافحة الإرهاب والمؤامرة الكونية التي أحاكها العالم للنظام السوري.
ولم يعد خفياً المشروع الطائفي الشيعي في البلاد، فلولا ذاك المشروع لما بقي الأسد ولا بقي نظام حكم، والتكتل الطائفي الذي جعله الأسد ركيزة له مع طهران والضاحية الجنوبية، أكسبه عصب قوة واجه بها محور سني متفكك متباعد الأهداف والمشاريع، والمحور الشيعي الذي قدم له الأسد كل أوراقه مقابل عدم تخليه عن حكم البلاد حتى لو غير هيبة شعبية، وانزواء إقليمي وعربي له، إلا أن الأسد يرى في طهران والضاحية الجنوبية وموسكو تحالفا قويا يمكن الاعتماد عليه في ظل غياب أي محور جامع لقوى عربية أو دولية مضادة له.
كما أن المشروع الطائفي والتكتل المذهبي للنظام السوري، جعله غير مهتم بأبناء الطائفة المحلية، بعد أن وجد البديل الأقوى، ما جعل الأسر التي ينتمي إليها الأسد بلا رجال، وربما لن تراهم بصفهم حتى لو أصبحوا بلا وطن.